خطف الأطفال بين الواقع والسينما


أول شعور تشعر به الأم بعد فرحتها بمولودها هو الخوف، الخوف من كل شيء ومن أي شيء، تخشى أن يمرض، أن لا تستطيع الاعتناء به كما ينبغي، تخاف عدم قدرتها على حمايته بما فيه الكفاية، لكن يظل فقد طفلها هو ما يتربع على عرش رعب كل الأمهات.
لم يعد اختطاف الأطفال في أيامنا الحالية شيئًا يحدث على شاشات السينما والتلفزيون فقط، بل واقعًا نعيشه جميعًا وتعاني منه العديد من الأسر التي فقدت أطفالها بطريقة هي أسوأ حتى من الموت؛ فالموت يعني أن يذهب الشخص لربه، يصبح في عنايته. ولكن، طفل مخطوف يعني لأهله جرحًا لا يندمل، لايتوقفوا عن التفكير في حاله كل لحظة، هل هو حي؟ هل هو مريض؟ هل هو جائع؟  من يؤذيه؟ من يعتني به ويشعره بالحنان؟
وتتعدد أهداف مختطفي الأطفال، ما بين الحصول على فدية من أهل الطفل، أو استخدامه في التسول، أو حتى بيعه!
هذا الموضوع القاسي تنناولته السينما العالمية في العديد من الأفلام، نستعرض منها سويًا فيلمين مختلفين، التقطت التفاصيل الحزينة وحولتها إلى حالات سينمائية مختلفة.
The Deep End of the Ocean
1~1
أعتقد ما من أم شاهدت هذا الفيلم إلا وبكت وتركته لتتفقد أبنائها قبل أن تستطيع أن تكمله، وقد بدت النجمة (ميشيل فايفر) كما لو أنها خُلقت لتؤدي دور الأم (باث).
2~1
تبدأ الأحداث باستعراض أفراد العائلة الصغيرة من أب وأم وولدين أكبرهم في السابعة والصغير في الثالثة من عمره وطفلة رضيعة، تأخذ الأم أولادها للذهاب لتجمع مع أصدقائها في أحد الفنادق المزدحمة وتضطر أن تترك ولديها لدقائق قليلة، وعندما تعود لاتجد صغيرها.
3~1
مشاعر الأم تتدرج في هذا المشهد بطريقة غاية في العبقرية، في البداية تعتقد أنه ترك يد أخيه وذهب يلعب فتبحث عنه، ثم تبدأ الشكوك تراودها لكنها لاتستطيع أن تعترف لنفسها أن ابنها تم اختطافه وتتشبث باعتقاد أنه سيعود إليها، إلى أن تطلب منها الشرطة صورة له فتنهار وتبدأ في الصراخ وتدخل في انهيار عصبي وقد اعترف عقلها الواعي بأنها فقدت ابنها.
تتغير حياة الأم تمامًا بعد هذه الحادثة، تدخل في حالة اكتئاب دفعتها لإهمال منزلها وأولادها الباقيين والنوم أغلب النهار. ومن أروع المشاهد، هذا الذي يجمعها بمحققة الشرطة والتي تقوم بدورها (ووبى جولدبرج) تقول فيه شيئًا مضحكًا، فرغمًا عنها تضحك لتخفي ضحكتها في نفس اللحظة وقد أنكرت على نفسها الحق في السعادة بعد أن فقدت طفلها.
4~1
تمر سنوات وهي على ذات الحال من الاكتئاب، لكن تخفيه قدر إمكانها وتنتقل العائلة إلى مدينة أخرى، وفي أحد الأيام ترى طفلًا صغيرًا يشبه طفلها الغائب للغاية وتتابعه وتصوره وتلجأ للمحققة التي أصبحت صديقتها بعد ما مرا به سويًا، بعد التحقيقات السريعة تكتشف أنه فعلًا طفلها الضائع والذي اختطفته واحدة من معارفها في الحفل بدلًا من طفلها المتوفي في نفس عمره، وتزوجت بعد ذلك من رجل تبناه ولم يعرف أنه مختطف ثم انتحرت.
قد يعتقد البعض أن كل الأطراف وجدت نهاية سعيدة، وقد عاد الابن المخطوف لوالديه، ولكن ماحدث فتح فصلًا جديدًا من المتاعب، الطفل الذي اختطف وله 3 سنوات عاد مراهقًا في الثانية عشرة من عمره، عاش مع عائلة أخرى أصبحت هي كل مايملك ويعامل أهله الحقيقين كما لو أنهم مختطفوه، لايستطيع التأقلم معهم ويهرب ليعود إلى والده بالتبني كل ليلة.
ولا تستطيع الأم البائسة سوى أن ترجعه إلى أبيه بالتبني وتفقده بمحض إرداتها هذه المرة حتى تحميه من الشعور بالضياع والوحدة الذي يعيشه بالقرب منها وتقبل أن يحيا بعيدًا عنها وهي مطمئنة عليه، ولكن ذات مساء تجده يلعب كرة السلة مع أخيه الكبير في حديقتهم وقد عاد مرة أخرى ليحاول الحياة معهم بعد أن افتقدهم، لينتهي الفيلم بأمل جديد في أن تحيا هذه العائلة حياة طبيعية.
الصفحة الخاصة بالفيلم.
إعلان  الفيلم:
Freedomland
5~1
هذا الفيلم صرخة في وجه كل من يؤذي الأطفال بشكل أو بآخر، ويتناول قضية اختطاف الأطفال ضمن عدد من القضايا الأخرى، مثل العنصرية وإيذاء الأطفال عن طريق الأهل والإهمال الذي يؤدي إلى الانحراف في النهاية.
تبدأ الأحداث (بلورانزو) الذي يقوم بدوره (صامويل جاكسون) وهو ضابط شرطة من أصول إفريقية، على علاقة قوية بأهالي أحد الأحياء المضطهدة في المدينة حيث كل قاطنيها من أصحاب البشرة السمراء، ويتلقى مكالمة للذهاب للمشفى في التو للتحقيق في حالة سرقة سيارة بالإكراه.
6~1
نلتقي في المشفى (بريندا) والتي تقوم بدورها (جوليان مور)، امرأة في حالة صدمة واضحة، يحاول أن يحصل منها المحقق على تفاصيل الحادثة بصعوبة حتى تقول له في النهاية إن سيارتها المسروقة كان بها أيضًا ابنها الصغير (كودي).
تنقلب الأحداث هنا رأسًا على عقب، فسرقة سيارة لاتشبه في شيء اختطاف طفل، خصوصًا أن المكان الذي كانت به السيارة قبل سرقتها قريب من الحي الذي يسكنه أصدقاؤه، وبالتالي توجهت أصابع الاتهام لكل سكان الحي من ذوي الأصول الإفريقية لتظهر العنصرية الأمريكية في صورتها الحقيقية بعيدًا عن الدعايات التي يروجونها دومًا عن الحريات والمساواة.
يشعر المحقق أن هناك شيئًا تخفيه السيدة، سيغير مجرى التحقيقات لكن لا يستطيع الوصول إليه؛ لذلك يلجأ في النهاية لمجموعة من السيدات ليكون جمعية للبحث عن الأطفال الضائعين والمخطوفين برئاسة (كارين).
هذه الجمعية من الخطوط الهامة في الفيلم، فقد تأسست على يد(كارين) بعد اختطاف ابنها منذ عشر سنوات، طلبت المساعدة من جاراتها وقمن بالبحث عن الصغير دون جدوى وبعد ذلك دأبن في البحث عن كل طفل مخطوف أو مفقود ليجدوه في بعض الأحيان حيًا وبعض الأحيان ميتًا.
كان هدف (لورانزو) من اللجوء (لكارين) أن يجعلها تدفع (بريندا) للكلام عن ليلة اختطاف ابنها سريعًا، خصوصًا مع المشاكل التي يعيش بها حيه منذ خطف الطفل، والاعتداء عليهم من الشرطة وتوجيه الاتهامات جزافًا لهم.
7~1
ليجري حوار رائع مابين (كارين) و(بريندا) تحكي فيه الأولى عن تفاصيل خطف طفلها بواسطة شخص هي تعرفه، ولكن لاتوجد أدلة كافية لتوجيه الاتهامات له رسميًا، وبعد عشر سنوات من دون معرفة أي شيء عن طفلها المفقود لازالت ترى هذا الشخص وتتمنى فقط أن تعرف هل ابنها لازال حيًا أم قتله، فقط أن تجد قبره لتقيم له جنازة لائقة وتستطيع أن تكمل حياتها، عشر سنوات مرت وحياتها تغيرت تمامًا، لم تعد تستطيع أن تكون الأم التي كانت لباقي أطفالها ولا الزوجة التي يريدها زوجها، حياتها تدمرت بسبب فقدانها لطفلها ولم يعد يساعدها على احتمال الحياة سوى مساعدة باقي الأمهات في إيجاد أطفالهن.
وبالفعل بعد هذا الحوار ،تبدأ (بريندا) بالكلام، لنعرف في النهاية أن ابنها لم يُختطف وإنما هو ميت وبالطبع تتوجه إليها أصابع الاتهام باعتبارها قتلته وتحاول التغطية على جريمتها بادعاء خطفه، لنجد في النهاية أنها قتلته بالفعل، لكن بطريقة غيرمباشرة.
8~1
فقد دأبت في الفترة الأخيرة على إعطائه دواء للسعال حتى يساعده على النوم سريعًا، كمية قليلة كل يوم، ولكن ذات يوم اضطرت إلى تركه وحيدًا لبعض الوقت، لترجع وتجده تناول كل زجاجة الدواء ومات في الحال.
وطبعًا هذا لايعفي (بريندا) من المسؤولية سواء من الناحية القضائية أو من الناحية الاجتماعية كأم توفي ولدها بسبب إهمالها، وفي النهاية لانستطيع أن نحكم أي مصير كان أفضل لهذا الطفل وهذه الأم، أن يكون مُختطفًا أم وفاته بهذه الطريقة.
إعلان الفيلم:
 https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=gUqRneszsHY

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق