قراصنة القرن الحادي والعشرين

 من شاهد مجموعة أفلام قراصنة الكاريبي يتخيل القراصنة دومًا على هيئة جوني ديب القرصان خفيف الظل الذكي ذي التصرفات الطريفة والمشية الغريبة، والذي نتعاطف معه ضد الجنود والضباط الذين يحاولون سلبه سفينته، لكن المؤكد أن القراصنة ليسوا بظرافة جوني ديب ونتعرف على هذه الحقيقة عن قرب من خلال هذه الفيلم كابتن فيلبيس.
 الفيلم من بطولة الرائع توم هانكس الذي يثبت من وقت لآخر إنه يعشق الأفلام المأخوذة عن قصص حقيقية، مثل فيلمه السابق أبوللو 13، ولكن هذه المرة يختار فيلمًا مأخوذًا من قصة تقترب من واقعنا العربي بشكل أو بآخر.
 24455612_991396
 قبل بدء الحديث عن الفيلم فلنتعرف أولًا عن قرب على كارثة القرصنة الصومالية التي تهدد العديد من السفن، بدأت هذه الظاهرة عندما قام الرئيس سياد بري في أثناء فترة حكمة بالعمل على تنمية صناعة صيد الأسماك، وذلك من خلال المساعدات الدولية وأسطول للصيد البحري وتصدير الإنتاج للخارج، ونجح هذه الأمر كثيرًا ولكن بعد سقوط حكم بري واندلاع الحرب الأهلية تدهورت الصناعة مثل كثير من الصناعات الأخرى في الصومال.
 ثم بدأت السفن الأجنبية في أعمال الصيد في الساحل الصومالي ما دفع بعض الصيادين لاعتراض هذه السفن ومصادرة ماتحمله، ثم تطور الأمر إلى احتجاز السفن وطلب الفدية وعندما تم دفع الفدية أكثر من مرة، انتبه أمراء الحرب إلى هذا العمل السهل ذي الأرباح السريعة والعالية وبالعملات الأجنبية.
 ومن هنا بدأت القرصنة المنظمة على السواحل الصومالية، حيث قام هؤلاء بتسهيل أعمال القرصنة وحمايتها وبالطبع اقتسام الغنائم مع القراصنة.
عودة إلى الفيلم
 تدور أحداثه عن حادثة قرصنة شهيرة حدثت عام 2009 على سفينة بضائع ضخمة تابعة لشركة مارسك، نتعرف في البداية على الكابتن فيلبس القبطان العملي المحب لعائلته، والذي يذهب في رحلته الطويلة والمهمة بالنسبة لمساره المهني، ولكنه لم يكن يعلم المفاجآت التي كانت في انتظاره خلال هذه الرحلة.
 تسير الرحلة في البداية في مسارها الطبيعي والعادي حتى تبدأ الأحداث تخرج عن السيطرة حين تبدأ محاولات مجموعة من القراصنة الاستيلاء على السفينة، قد تستغرب كيف هذا القارب الصغير مع هذا العدد القليل من القراصنة قادرين على الاستيلاء على هذه السفينة فائقة الضخامة، لكن السر في الأسلحة التي يمتلكها هؤلاء القراصنة وعامل آخر أهم، هو أنهم ليس لديهم ما يخسرونه.
 ومن المعروف أن أكثر إنسان يخشى منه هو ذلك الذي لايملك شيئًا يخسره، هم شباب يعيشون حياة غاية في البؤس والفقر حتى عمليات القرصنة التي يقومون بها لا يأخذون منها غير الفتات، لا تهمهم حياتهم أو موتهم وأغلب الوقت تحت تأثير المخدرات، مع كل هذه الظروف والتسليح وكون السفينة التي يهاجمنوها سفينة غير مسلحة وعليها مجموعة من العاملين المدنيين يجعل من عملية القرصنة كسرقة الحلوى من طفل صغير.
 يبدأ القراصنة في مهاجمة السفينة العملاقة والتي تحاول الدفاع عن نفسها برشاشات المياه، ولكن ليس للأبد خصوصًا مع بطء السفينة بسبب حجمها يجعلها هدفًا سهلًا ليصعدوا إليها في نهاية الأمر.
24455612_991394
 يبدأ جزء مختلف من الأحداث عندما يستولي القراصنة على السفينة، فطاقم الإبحار يختفي عن الأنظار ولا يظل في الكابينة الأساسية الخاصة بالقيادة سوى القبطان واثنين من المساعدين ويجن جنون القراصنة حين يعلمون أن السفينة خالية من الأموال أو البضائع المهمة التي قد يستطيعون سرقتها بل مجرد مواد غذائية، ويحاولون إنقاذ مايمكن إنقاذه بأخذ الطاقم كرهينة لكنهم مختفون، ليبدأوا في رحلة بحث عن أفراد الطاقم حتى يحدث اشتباك بين مجموعة من العاملين على السفينة وقائد القراصنة يؤدي إلى أخذه هو كرهينة.
 لم يكن أمامهم حل سوى الاستسلام وترك السفينة عن طريق زورق الطوارئ، ولكن في اللحظة الأخيرة تنقلب الأوضاع رأسًا على عقب باختطافهم الكابتن فيلبس وانطلاقهم.
 بالطبع اختطاف مواطن أمريكي وطلب فدية مكسب كبير للقراصنة وعار كبير يلحق بالحكومة الأمريكية؛ لذلك تم إرسال مجموعة من أمهر الجنود لتحرير الكابتن فيلبس ليأخذ الفيلم منحى مختلفًا.
 يهمني هنا التركيز على ما كان يدور بداخل مركب الطوارئ أكثر من التركيز على تفاصيل عملية الإنقاذ التي رأيناها عشرات المرات في الأفلام الأمريكية، ففي داخل السفينة الصغيرة يفقد القراصنة سطوتهم السابقة ويتحولوا لثلاثة من الشباب الذين ظنوا أنهم يملكون كل أوراق اللعب، لكن المغامرة التي مارسوها قبل ذلك عشرات المرات تنقلب لشيء مختلف بقواعد أكثر تعقيدًا.
 فخطف سفينة ودفع فدية أمر ولكن خطف الكابتن ودفع حكومته الفدية أمر أكبر بالتأكيد، ففيه إهانة للحكومة وكذلك فتح باب أوسع لهذا النوع من الممارسات الإجرامية، وكان الصوماليون الثلاثة يعلمون ذلك، لذلك توترت الأجواء بداخل السفينة الضيقة بشدة.
 الحوار مابين الكابتن فيليبس وقائد القراصنة، كان من أكثر عوامل الجذب في هذا الفيلم خصوصًا داخل المركب الصغير، عندما تزداد الحرارة وتقل مياه الشرب الموجودة، يحاول وقتها أن يتباهى الخاطف بقدراته وأنه قام في العام الماضي بخطف سفينة وحصل على 6 ملايين دولار فدية لها، فيخبره أنه من الواضح أنه لايملك مثل هذا المبلغ في إشارة إلى أن هذه العمليات التي يقوم بها، العائد منها يذهب إلى رؤوس أكبر، بينما في حالة الفشل هو من يعاقب.
 في حيلة من المجموعة الذي تم إرسالها لتحرير الكابتن يتم خداع قائد القراصنة بأنه يجب أن يترك السفينة ويصعد إليهم ليتفاوض بنفسه، ويصدق الحيلة وبذلك يظل في قارب النجاة ثلاثة فقط من الخاطفين مع الرهينة، ومع تصاعد توترهم يوشكون على قتله لتضطر القوات الأمريكية إلى قتلهم في النهاية والقبض على قائدهم وتحرير الكابتن فيلبس أخيرًا.
24455612_991387
 ومن أعظم مشاهد توم هانكس، هو مشهد النهاية حين يتم قتل الخاطفين ولايصدق أنه لازال حيًا وأن هذه الدماء التي تغطيه لاتخصه، ثم انهياره أثناء الكشف الطبي عليه للتأكد من حالته الصحية وسلامته، لنرى الرجل الذي تمالك أعصابه طوال هذه الأحداث الرهيبة التي مر بها في بضع ساعات فقط يبكي ليخرج كل الخوف والقلق الذي عاشهما.
الفيلم مقابل الأحداث الحقيقية
24455612_991392
 هذا الفيلم مثل غيره من الأعمال التي تقتبس عن أحداث حقيقية لا ينقلها بحذافيرها؛ بل يضيف عليها بعض الأشياء ويحذف منها البعض الآخر؛ لأنه مهما كانت الحقيقة مشوقة فالعمل الفني يجب أن يكون أكثر تشويقًا.
 من الأشياء التي تم إضافتها لهذا الفيلم إضفاء طابع البطولة على كابتن فيلبس، نعم لايستطيع أحد أن يدحض أن الرجل ضحية لأحداث مؤلمة، لكن كابتن فيلبيس في الحقيقة لم يقف أمام أسلحة القراصنة ليخبرهم أن يقتلوه بدلًا من أحد أفراد طاقمه، وكذلك لم يدخل إلى الزورق بكامل إرادته الحرة كما حدث في الفيلم؛ بل تم أخذه رهينة من قبل ذلك، بل إن بعض أفراد طاقمه في الحقيقة قاموا بمقاضاة شركة مارسك المالكة للسفينة، واتهموا الكابتن فيلبس بأنه كان السبب في هذه الأحداث بسبب قراراته الخاطئة، ومنها العبور من هذه المنطقة المهددة.
 كما أن في أحداث الفيلم نجد أن الكابتن فيلبس تم حجزه كرهينة لمدة يوم ونصف تقريبًا، لكن في الحقيقة إنه ظل لمدة 5 أيام كاملة في القارب قبل أن يتم تحريره وقتل القراصنة.
المقال الاصلي: اضغط هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق