فتاة تقرر أن تعيش وفتاة تقرر أن تموت

 تقرير اليوم عن فيلمين لا يجمع بينهما سوى فكرة واحدة وتفصل بينهما عشر سنوات، الأول من إنتاج عام 2004 وهو Million dollar baby، والثاني فيلم حديث تم إنتاجه هذا العام وهو If I stay.
 كلا الفيلمين تدور أحداثه حول فتاة في المنطقة الفاصلة ما بين الحياة والموت والقرار بيديها، إحداهما تقرر أن تعيش والأخرى تقرر أن تموت، ومعًا نتعرف على الأسباب التي جعلت كلًا منهما تأخذ هذا القرار.
Million dollar baby
24455612_1012536
 هو فيلم مميز للغاية رغم نهايته الحزينة، الفيلم حائز على أربع جوائز أوسكار، منها جائزة أفضل ممثلة للبطلة “هيلاري سوانك”، وأفضل ممثل مساعد للرائع “مورجان فريمان”، و كذلك البطل “كلينت إيستوود” ترشح لجائزة الأوسكار عن أفضل دور رئيس ولم يحصل عليها.
 تدور أحداث الفيلم في عالم الملاكمة، حيث نتعرف في البداية على صالة التدريب التي يملكها “فرانكي” العجوز الذي يقوم بدوره “كلينت إيستوود”، والعلاقة التي تجمع بينه وبين أحد أمهر المتدربين لديه الذي يسعى للحصول على لقب بطل العالم، ولكن يتركه في آخر لحظة ويذهب لمدرب آخر قادر بعلاقاته على إعطاءه فرصة أفضل في هذا العالم القاسي والمليء بالحسابات المعقدة.
 خلال هذه الفترة العصيبة تقتحم حياته “ماجي”، الفتاة البشوشة المرحة رغم كل الظروف السيئة التي تمر بها، والتي تعشق الملاكمة وتؤمن بنفسها وبقدراتها على أن تصبح بطلة العالم.
 تطلب منه ماجي بكل صراحة أن يدربها وتصدم عندما يرفض، بل يرفض وجودها من أساسه في صالة تدريبه، ولكنها تفرض نفسها عليه مرة بعد الأخرى، ليعجب في النهاية بإصراراها وعزيمتها حتى يرضخ ويقرر إعطاءها فرصة لبعض الوقت حتى تجد مديرًا آخر وتوافق هي على ذلك.
24455612_1012525
 أحد أهم الأدوار في الفيلم هو إيدي سكراب والذي قام به “مورجان فريمان”، هو عامل النظافة في صالة التدريب، لكن تجمع بينه وبين” فرانكي” علاقة متشابكة، فمن ناحية هم أصدقاء تشاركا تاريخًا طويلًا، ومن ناحية أخرى يشعر فرانكي دومًا بالذنب تجاه إيدي الذي كان ملاكمًا في شبابه حتى المباراة رقم 109 في تاريخه، والتي كان يطببه أثنائها فرانكي.
 خلال هذه المباراة قام المنافس بضرب إيدي ضربًا مبرحًا ولم يكن في قدرة فرانكي إنهاء القتال بما إنه ليس المدرب الخاص به، وبعد انتهائها فقد إيدي إحدى عينيه للأبد ليتحمل فرانكي مسؤولية عدم إيقاف المبارة رغم كل شيء.
 يدفع “إيدي” “فرانكي” نحو تدريب “ماجي” ويصر علي أن يعطيها فرصة، حتى يوافق ليبدأ معها رحلة من الكفاح والانتصارات والتي تخلق مابين “فرانكي” و”ماجي” علاقة من نوع خاص، فيصبح بمثابة الأب والصديق لها، هي التي يرفضها أهلها ويرون في هوايتها وعملها في الملاكمة شيئًا غريبًا ومستنكرًا،  في حين أن فرانكي يشعر تجاهها بمشاعر الأبوة التي افتقدها مع ابنته التي ترفض مجرد الرد على خطاباته.
24455612_1012531
 رحلة ماجي وفرانكي كانت من نجاح لنجاح، هي بإمكانياتها وقدراتها وهو بتدريبه وتوجيهه وإدارته للمباريات واختيارته، كان من الممكن أن تكون بطلة العالم بكل سهولة ولكن القدر قرر لها مصيرًا آخر.
 آخر مباراة لها كانت مع لاعبة معروفة -بالإضافة لقوتها- باللعب غير النظيف وكثرة المخالفات، وكانت كفتها هي الراجحة، حتى بدأت ماجي تستعيد توازنها وتكيل لها الضربات التي أفقدتها بعضًا من توازنها وزادت من غضبها، مما دفعها إلى ضربها بعد أن دق جرس الجولة لتقع ماجي ويتغير مجرى حياتها للأبد، فبدلًا من أن تقع على أرض الحلبة وقعت على المقعد المخصص لترتاح عليه بين الجلسات.
 ونتيجة ذلك انكسرت فقرتان في ظهرها مما أصابها بالشلل الرباعي، لتتحول من بطلة رياضية تخطف الأنظار، إلى مريضة لاتستطيع الحركة أو التنفس بمفردها دون مساعدة الأجهزة الموصولة إلى حنجرتها مباشرة.
 ظهر عمق العلاقة بين “فرانكي” و”ماجي” في هذه المرحلة، فنراها تقلق عليه من تلقي هذا الخبر أكثر من قلقها على نفسها، و”فرانكي” الذي تحطم قلبه في هذه الحادثة يلقي الخطأ فيماحدث على “إيدي” الذي أجبره على تدريبها مما أوصلها إلى هذه الحالة.
 خلال هذه الفترة الحاسمة نعرف الفارق بين الحب الحقيقي وبين الحب القائم على المصالح، ففرانكي الذي لايربط بينه وبين ماجي رابطة الدم يحميها من عائلتها التي لاترى فيها سوى مهنتها الجالبة للمال، يحاولون الحصول عليه في أسرع ما يمكن بإقناعها بالتنازل عنه لأمها بدلًا من رعايتها، بل اتهموها أنها السبب فيماوصلت إليه بسبب حبها للملاكمة.
24455612_1012527
 تقع بعد ذلك ماجي فريسة لليأس والإحباط والاكتئاب خصوصًا بعد بتر إحدى ساقيها بسبب قرح الفراش؛ لأن الممرضين لايستطيعون تحريكها لحالة عمودها الفقري والجهاز الخاص بالتنفس.
 مع الوقت أصبحت ماجي تشعر بانعدام الرغبة في الحياة لتطلب من فرانكي أن يفصل جهاز التنفس عنها، لتموت في صمت، يرفض فرانكي بشدة لتصل إلى قمة اليأس وتحاول الانتحار عن طريق قضم لسانها مرة وأخرى.
في حوارها الأخير مع فرانكي أخبرته خلاله لماذا تريد التخلص من حياتها.
لقد حققت أحلامها، عاشت كل ماتريده معه وبفضله ولم يعد لها آمال أخرى خصوصًا ما مرت به، فماذا تبقى لها لتفعله؟
 رفض فرانكي كان يشوبه الشك حتى حسم قراره بعد حواره مع “إيدي” الذي أخبره أنه بدلًا من أن يلقي الاتهامات عليه وعلى نفسه بأنه السبب في الحالة التي وصلت لها، يجب أن يعرف أنها من دونه كانت لا تزال الفتاة التي تبحث عن نفسها، وتحاول اللحاق بأحلامها فلا تستطيع.
 ماجي حققت أحلامها ووصلت إلى طموحها ولم يعد لديها أي أسباب تعيش من أجلها؛ ولذلك، قرر فرانكي أن يساعدها على الحصول على السلام الذي تريده، بإزالة جهاز التنفس وحقنها بالإدرينالين حتى يسرع من موتها لتحصل هي على سلامها في حين يغادر هو المسشفى ولا يعرف أحد مكانه بعد ذلك.
 الفيلم أيضًا من إخراج “كلينت إيستوود” صاحب اللمسة المتميزة فى الإخراج مثله في التمثيل، وقد حصل على أوسكار أفضل إخراج عن هذا الفيلم غير أوسكار أفضل فيلم، وبالفعل هو عمل فني رائع وتجربة مميزة من المشاعر الإنسانية والصورة والموسيقى التصويرية والديكورات التي تجعل المشاهد يشعر كما لو أنه يشاهد فيلمًا وثائقيًا بأدق التفاصيل.
If I stay
24455612_1012539
 أحد أفلام 2014 الرومانسية، ولكن بقصة مختلفة قليلًا، فأغلب الأفلام التي يتم اختيار أبطالها من المراهقين تكون خفيفة نسبيًا وقصصها متشابههة، لكن هنا يختلف الوضع.
 بطلة الفيلم هي “ميا”، أو “Chloë Grace Moretz” فتاة مختلفة عن بنات جيلها، ذات شغف بالموسيقى وآلة التشيلو بشكل خاص، تدربت عليها منذ الطفولة ووصلت في العزف عليها لدرجة كبيرة من الإتقان وتسعى لدراسة الموسيقي عوضًا عن الاكتفاء بها كهواية.
 تعيش حياة اجتماعية هادئة بدون صديق أو “boy friend” بالتعريف الغربي حتى تلتقي بآدم، زميلها في الدراسة الذي يكبرها بعام واحد، المطرب وعازف الجيتار بإحدى الفرق، ويقوم بدوره “Jamie Blackley“.
24455612_1012543
 كلا الشابين يمتلكان شغفًا بالموسيقى، لكن في اتجاهين مختلفين تمامًا، فالفارق بين الموسيقى الكلاسيكية الهادئة والتي يقع في حبها أصحاب الذوق الرفيع، وموسيقى الروك الصاخبة والتي تعتبر موسيقى أقرب للشعبية هائل للغاية، وتشعر “ميا” بذلك خصوصًا وأن أبيها كان عضوًا في إحدى الفرق أيضًا حتى ترك الموسيقى لينخرط بوظيفة ثابته تؤمن عيش عائلته.
 لكنهما يتجاوزان هذه الاختلافات لتصبح علاقتهم قوية مع الوقت حتى تفرقهم الأقدار، كل في طريق مختلف، فبعدما تخرج “آدم” تفرغ لفرقته الغنائية والتي نجحت وأصبح هو نجمها الأوحد، ورغم أن ذلك قلل من الأوقات التي كانا يقضيانها معًا إلا ان هذا لم يضعف من العلاقة بينهما، ما بدأ القطيعة بينهما هو أن “ميا” التي تعد نفسها للتخرج أيضًا من الثانوية قد حصلت على فرصة للالتحاق بمعهد “جوليارد” للموسيقى.
 بالنسبه لها هي فرصة لا تعوض لتعزز موهبتها بأفضل تعليم موسيقي ممكن، بينما لآدم هذا يعني أن تكون في مدينة أخرى، وهو لايرغب في علاقة يفصل بين طرفيها مئات الأميال، يحاول أن يدعمها وفي ذات الوقت هو يشعر بالقلق حتى تنفجر الأمور بينهما ويحدث الانفصال الذي لامفر منه.
إلى هنا الأحداث عادية، من الممكن أن نجدها في أي فيلم رومانسي آخر، إلى أن يحدث ما يغير مجرى الأحداث.
24455612_1012523
 بعد انفصالهما وفي اليوم الذي تنتظر”ميا” خطاب الرد على طلبها الالتحاق بمعهد جوليارد، تذهب في نزهة مع والديها وأخيها الصغير، لتأتي سيارة مواجهة ترتطم بسيارتهم، وتستيقظ هي بعدها في وضع غريب، فهي تمر بتجربة “out of body” وهي إحدى المصطلحات الغربية لظاهرة لم يتم إثباتها علميًا، عن قدرة الإنسان عند إصابته بالغيبوبة في رؤية ومعايشة كل شيء في وضع يشبه الأشباح.
 كان جسد “ميا” في غيبوبة جراء إصابتها، ولكن روحها كانت تحلق، سمعت الممرضة وهي تهمس لجسدها الذي يتعلق بأهداب الحياة أن الاختيار بيديها، فإن أرادت أن تعيش فلتستجمع قوتها وتفيق لتكمل مشوارها.
24455612_1012521
 يعيش المشاهدون مع “ميا” رحلة اختيارها ما بين الموت والحياة، فهي فقدت والديها وتكاد تفقد أخاها، حياتها تغيرت بالكامل ولم يعد المستقبل مثلما كانت تخطط له، لكن حتى هذه المرحلة كانت ترغب في أن تعيش من أجل أخيها الصغير، حتى لا تتركه وحيدًا بلا أسرة ولا مستقبل، ولكن تقلب كل الحسابات رأسًا على عقب وفاة أخيها الصغير أيضًا لتفقد هي كل ما كانت تتعلق به.
 فقدت “ميا” كل دافع لديها تحيا من أجله، حتى حبها لآدم لم يكن كافيًا لتفيق من غيبوبتها بدون أسرتها بالكامل، لكن في النهاية اختارت أن تعيش، فلماذا؟!
اختارت “ميا” الحياة على الموت عندما عرفت أنها نجحت في الالتحاق بالمعهد الذي كانت تحلم به، عندما وعدها “آدم” أن يلحق بها في “نيويورك” ليعيشا معًا ويبدئان معًا حياة جديدة.
فضلت أن تعيش عندما شعرت أنها لم تحقق ما تريد من حياتها بعد، وأن لديها العدديد من الأحلام والطموحات من الممكن أن تحققها.
الأغاني والموسيقي التصويرية في الفيلم أبطال لهم وزن وثقل بجانب باقي الأبطال والقصة المميزة، فهي توضح الفروق بين شغف “ميا” و”آدم” بالموسيقى، لنشعر في الكثير من الأحيان كما لو أن مجرد ظهور “ميا” على الشاشة هو طيف من الموسيقى الكلاسيكية الراقية، وأن “آدم” يجب أن تصاحبه الموسيقى الصاخبة التي تعبر عن حيوية الشباب وحب الحياة.
الفارق بين “ماجي” و”ميا “
asdasd
ماجي، فضلت أن تموت؛ لأن ما بقي لديها شيء لتحققه، حصلت على كل ما أرادت وبعجزها الجسدي لم يعد في وسعها أن تصل إلى شيء آخر، فقدت رفاهية الحلم والرغبة في الوصول إلى شيء؛ لذلك، بالنسبة لها أن تموت وهي منتصرة أفضل من تحيا عاجزة لا تستطيع حتى التنفس دون مساعدة.
وميا، اختارت أن تحيا؛ لأن لا زال لديها الكثير لم تحققه، حياة بأكملها لتعيشها، من المؤكد أن أيامها ستكون صعبة ومليئة بالوحشة بعد فقدها لأهلها، لكن الأمل في الحياة يكفيها ليعينها ويفتح لها طرقًا جديدة لايظللها الفقد المؤلم.
المقال الاصلي: اضغط هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق