رضوى عاشور.. الطنطورية التي رحلت عن عالمنا


فى المعتاد لا اتأثر لهذه الدرجة بوفاة أحد من الكتاب أو الفنانين ، ربما لأنى أعلم أن الموت حقيقة مفروغ منها، وحتى عندما مات ونيس شبابى ومراهقتى الكاتب أنيس منصور لم أستوعب الحدث فكيف يموت وكتبه تملأ مكتبتى وحين أشتاق إلى صوته أهرع إليها لأختار من يؤنسنى من جديد!
لكن لأول مرة أبكى أحد الكتاب فى رضوى عاشور، لا أبكى عليها ، بل أبكى عليّ ، وعلى عالم صار من دونها.
فالعالم من دون رضوى عاشور عالم فى غاية القسوة فقد بسمة الطفلة التى تعلم الكثير ولا تريد أن تخبرك به إلا مع التشويق الملائم للحدث.
أبكى على فرصتى فى رؤيتها التى أتيحت لى فى حفل توقيع كتابها الأخير “أثقل من رضوى” ولكن لأعباء عائلية وضعف الهمة لم أذهب ليتأجل اللقاء إلى الأبد، وأبكى اسئلة لم تعد إجابتها ممكنة ، فوداعاً يا طنطورية الأدب..

ثلاثية غرناطة

index
كانت بدايتى مع كتابتها فى ثلاثية غرناطة ، التى من الممكن إعتبارها أعظم ما كتبت، رواية عن الأندلس المستلب، عن حضارة عربية أندثرت أمام عيون أجدادنا.
لتقوم هى فى عدة صفحات بسرد تاريخ أحد العائلات الغرناطية التى تعيش خلال هذه الفترة القاسية من التاريخ ،ويشعر القارئ إنه أحد أفراد هذه العائلة ، هو سليمة التى يقتلها علمها ، هو مريمة الذى تأخذ على عاتقها إتخاذ القرارات المصيرية.
هو الحفيد الذى يحمل مريمة على كتفيه وهو يغادر الأندلس والتى ترفض ان تتركها حية لتلفظ أنفاسها الأخيرة بين يديه.
كل من قرأ هذه الرواية شعر بجرح الأندلس ينزف فى صدره.
ثلاثية غرناطة رحلة من 500 صفحة ،خلدت بها الراحلة تاريخ الأندلس وأنصفت المرأة فى تاريخ أعتاد أن يكتبه الرجال من وجهة نظرهم وحدهم.
الأدب النسائي حين يكتبه الرجال

الطنطورية

8239301
ما أن إنتهيت من قراءة الثلاثية شعرت إنى لم أنتهى من الحالة التى وضعتنى بها رضوى بعد، ورغبت فى التعرف عليها أكثر ، لذلك وضعت الثلاثية على رفها فى المكتبة وسحبت الطنطورية لابدأ فيها بعد لحظات قليلة.
فى هذه المرة تُحدثنا عن غرناطة أخرى ، لكن ليست صفحة من صفحات التاريخ نرثيها ببضع كلمات عندما نذكرها ،بل لا تزال تجرى أحداثها حتى الان، عن غرناطة العصر الحالى، تحكى لنا عن فلسطين.
رغم عظمة ثلاثية غرناطة إلا ان الأقرب لقلبى من بين كل أعمالها هى الطنطورية ،توحدت مع البطلة رقية ومأساتها منذ شبابها وإحساسها بالغربة وتشردها مرة بعد الأخرى ، وعدم قدرتها على مد جذورها فى أى بلدة غير الطنطورة مسقط رأسها.
الطنطورية قطعة من الفن الراقى التى نقلت خلالها الكاتبة ليس مأساة فلسطين و تاريخها الذى يمتلئ حزناُ فقط ، بل نقلت روحها من أغانى وعادات وأدق التفاصيل.
غربة دائمة أثرت فى ،وجعلت من رقية الطنطورية صديقة مقربة نتبادل المحبة والحنان على صفحات الرواية حتى نهايتها.

أثقل من رضوى

2462597673
أخر ما كتبت وأخر ما قرأت لها، من المؤكد إنى لم أتأثر بهما مثلما حدث لى مع الطنطورية لكن خلالها شعرت إنى أقرب لرضوى الإنسانة المبدعة.
رضوى الأستاذة الجامعية ، التى تأخذنا لتفاصيل الطلاب، وأزمات الأساتذة مع إدارة الجامعة والحرس الجامعى ، والأهم عن رضوى التى تحكى لقارئها عن تفاصيل مرضها المؤلمة ليس إستدارا لعطفة ودموعه قدر مشاركتها إياه فى رحلة قد تصبح مصدر إلهام للبعض فى مقاومة المرض وترينا أهمية الدعم العائلى فى مساعدة المريض فى الوقوف على قدميه.
وجزء أخر من سيرتها الذاتية كان مشاعرها وتفاعلها مع الثورة المصرية فى بداتها، تناولت فيه أحلامها وحماسها وإيمانها مما جعلنى احمد الله على إنها غادرت الحياة ولم تعد تشاهد هذه الأحلام وهى تتهاوى الواحدة بعد الأخرى.
ولا أجد ختاماً للمقال أفضل من من جملتها الأخيرة فى  “أثقل من رضوى” تعبيراً عن رضوى الكاتبة والإنسانة.
هناك أحتمال أخر للتتويج مسعانا بغير الهزيمة، مادمنا قررنا أننا لن نموت قبل أن نحاول أن نحيا

لينك المقال الاصلي : رضوى عاشور.. الطنطورية التي رحلت عن عالمنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق