الصداقة التي من أجلها نقتل

هذا الفيلم شاهدته بعد أن رشحته لي عدة صديقات كواحد من أجمل الأفلام التي قد يشاهدها المرء في حياته، لزخم المشاعر والأفكار التي يحفل بها، ولذلك توقعت أن أجد قصة رومانسية أخرى، لكنني فؤجئت أن المشاعر المقصودة كانت مشاعر الصداقة التي تغمر هذا الفيلم.
 تسير الأحداث في خطين متوازيين، خط الماضي وخط الحاضر، وفي النهاية سوف يتلاقى الخطان، ولكن دعنا لانستبق الأحداث ولنتعرف على الأبطال، في البداية نلتقي بإيلفين السيدة المتزوجة، والتي تحتفظ في حقيبتها طوال الوقت بالمأكولات والحلويات وتذهب مع زوجها لدار للعجزة لزيارة إحدى قريباته، فتلتقي هناك بالعجوز نينا وتتعرف عليها وتبني معها علاقة صداقة متينة، في البداية كانا يتكلمان فقط عندما تذهب للزيارات مع زوجها، ولكن بعد ذلك تتوطد هذه العلاقة حتى نجدها تذهب وحدها لزيارة صديقتها العجوز.
 24455612_995561إيدجي وروث
في هذه الزيارت تقوم هذه الصديقة بالحديث عن قصة حدثت في الماضي، قصة صداقة تجمع بين فتاتين، هما إيدجي وروث، التي تبدأ منذ طفولة إيدجي الفتاة المتمردة التي لاتشعر بجمالها وترتبط ارتباطًا شديدًا بأخيها الكبير بادي، فهو الوحيد الذي يفهمها في العالم، في حين أن روث هي خطيبة بادي المنتظرة، ومن هنا تبدأ العلاقة لكن في حادثة أليمة تفقد الاثنتان بادي، لتنطوي إيدجي أكثر على نفسها.
تتحول إيدجي مع الزمن إلى شخصية أكثر انطوائية بعد صدمتها لفقدان أخيها المفضل وسندها الحقيقي، فنراها في البداية تنطوي على نفسها في الغابة ترفض التعامل مع البشر، ثم تبدأ في التحسن تدريجيًا وتكبر على هذا الحال، فهي الفتاة التي تقوم بالحصول على العسل من خلية النحل بأيديها العاريتين و تقود السيارة في زمن كانت القيادة مهمة رجالية بحتة، وتصطاد أسماك العشاء في حين مثيلاتها يقمن بالتطريز والحياكة.
 وحين يتعب أبواها من محاولة إصلاحها يأتيانها بخطيبة ابنهما السابقة التي كبرت هي الأخرى لتصبح فتاة ناضجة ورقيقة، وكان الهدف من الجمع بين الفتاتين أن تعمل روث على تهدئة طبع إيدجي وتحويلها من هذه الشخصية العنيفة إلى فتاة رقيقة مثلها.
24455612_995559
 في الفترة التي انقطعت بها علاقة روث وإيدجي، كانت الأخيرة قد اجتازت سن المراهقة كفتاة صعبة المراس في حين أن شخصية روث تبلورت في هيئة الفتاة الجميلة الرقيقة ابنة قس البلدة، ولذلك كان المطلوب من روث مساعدة إيدجي في تهدئة طبعها، لكن ما حدث كان العكس تمامًا!ُ، فإيدجي هي التي ساعدت روث على إعادة اكتشاف نفسها، فخلف هذا المظهر الرقيق لفتاة تعيش دومًا في عالمها الحالم، نجد فتاة تمتلئ بالحيوية تستشعر الحياة بكل كيانها ترغب في الحصول على بعض المرح من وقت لآخر، وفي هذا الوقت توطدت العلاقة بين الفتاتين ليصبحا كأختين حتى نكتشف في النهاية أن روث مصيرها زيجة مرتبة سوف تتم بعد أيام.
 بعد الزواج توقعت إيدجي أن تستمر علاقتها بصديقتها إن لم يكن كما كانت من قبل فعلى الأقل تطمئن عليها من وقت لآخر، لكن الذي حدث هو العكس، فكل الأبواب وجدتها موصدة في وجهها، وحين ذهبت لملاقاة روث في منزلها تطلب منها الأخيرة أن تذهب ومشاعر الخوف تكسو وجهها.
 و بعد أن تفقد إيدجي الأمل فى إعادة التواصل بينهما يصلها خطاب من روث ليغير مجرى الأحداث، في هذا الخطاب تطلب روث المساعدة من إيدجي التي تهرع إليها لتنقذها من زوجها الذي يقوم بضربها وإهانتها طول مدة الزواج واحتملت صابرة حتى علمت أنها حامل بطفل منه لم ترد تربيته مع هذا الأب القاسي المريض، وقررت الخروج من هذا السجن.
 كان على روث أن تستجمع نفسها بعد هذه التجربة القاسية التي مرت بها، هى الآن مسؤولة عن نفسها وعن طفلها الذي ستنجبه وتقرر لأول مرة أن تستلم زمام حياتها لتخطط هي لنفسها، لذلك قامت مع صديقتها بإنشاء مشروعهما الخاص وافتتاح المطعم الخاص بهما والذي ينجح نجاحًا كبيرًا، إلى أن يقرر الزوج أن يعود مرة أخرى لينغص عليهما حياتهما ويحاول اختطاف الطفل فقط لتعذيب روث، ثم يقتل فجأة ليغير احداث الفيلم.
 يظن الجميع حتى النهاية، حتى روث، أن القاتل هو إيدجي لحماية صديقتها من بطش هذا الزوج، لكن لا يوجد أي دليل يدين إيدجي فيتم إغلاق القضية.
 كان من المتوقع أن تنتهي حكاية روث وإيدجي نهاية سعيدة، لكن للأسف تكون نهاية قصتها بوفاة روث بين يدي صديقتها لتقوم بتكملة مشوارها وتربية ابنها من بعدها.
24455612_995555
نينا وإيفيلين
 نترك الفتاتين ونرجع لإيفيلن، نجد أن إيفيلن طوال الوقت تحاول أن تلتحق بدورات تدريبة لتنمية النفس ولحل المشاكل الزوجية ومحاولة إشعال جذوة الحب مرة أخرى، وترجع إلى المنزل لتحاول أن تطبق ما تعلمته مع زوجها لتجد أنه لا يريد منها سوى طبق من الطعام الذى يسهل أكله أمام التلفاز، وأن تصمت حتى يستطيع مشاهدة المباريات المختلفة، فتحول إحباطها هذا إلى تناول الطعام وقصة روث وإيدجي تمنحها التسلية في البداية إلى أن تمنحها الإلهام المطلوب لتغير حياتها.
 فمثلًا عندما وصلت نينا إلى الجزء الذي تتكلم فيه عن شجاعة إيدجي وروث في بداية حياة جديدة وإنشاء مطعمهما الخاص، تشعر إيفلين أن هذه قد تكون علامة لها لتغيير حياتها هي أيضًا بيديها وتبحث عن رضاها عن ذاتها عن طريق نفسها وليس من خلال علاقة زواجها، فتقوم بتغيير شخيصتها تدريجيًا وتقرر أن تفقد وزنها الزائد والدفاع عن نفسها بدلًا من البكاء قهرًا عندما تتعرض لمواقف سلبية.
 التغييرات الإيجابية التي حدثت في شخصيتها انعكست بعد ذلك إيجابيًا على علاقتها بزوجها وعلى علاقتها بنفسها، لتقرر في النهاية أن تدعو العجوز من دار العجزة لتنتقل لتحيا معها امتنانًا منها بعلاقة الصداقة التي أعادت صياغة حياتها.
الخطوط تتلاقى
24455612_995557
 كما قلنا منذ البداية إن الفيلم يسير فى خطين زمنين متوازيين، يجمع بينهما العجوز التي تقوم بقص حكاية ايدجي  روث، ونعلم في النهاية أن هذه العجوز هي إيدجي نفسها، لتنقذ إيدجي فعليًا حياة سيدتين، روث حين كانت شابة وإيفيلن فى شيخوختها.
علاقة الصداقة في هذا الفيلم كانت بالفعل منقذة، فمن دون نينا أو إيدجي العجوز لما استطاعت إيفيلن أن تتعرف على مواطن ضعفها لتستطيع أن تتخطاها وتغير من نفسها، وتتحول من السيدة التي تحاول إنقاذ زواج يحكمه الملل إلى شخصية أخرى، محبة لذاتها مقتنعة بها تأخذ وتعطي فى علاقة الزواج دون ضغوط أو إحباطات.
 وفي علاقة روث وإيدجي، فالصداقة المتبادلة أعطت إيدجي روث الثقة في نفسها، الثقة التي جعلتها تخرج من علاقة زواج فاشلة مع زوج همجي عنصري لتبدأ حياة جديدة في مشروع يؤمن لها عيشها هى وابنها، دون الاعتماد على الآخرين، وأعطت روث إيدجي المحبة والقبول المطلق التي كانت تحتاج إليهما لتستطيع نفسها أن تستقر.
في النهاية، أرشح هذا الفيلم بدوري لأي شخص يبحث عن فيلم راق عن علاقات إنسانية متميزة، إن لم يحرك مشاعره فعلى الأقل سوف يستمتع بساعتين من الفن الراقي.
المقال الاصلي: اضغط هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق