كافكا على الشاطئ.. عندما تقع فى سحر الشخصيات فتنسى الرواية !


ليلاً ما تعجبنى رواية نهايتها مفتوحه، أو خطوطها ليست واضحه، ولكن فى لقائى الأول مع الأدب اليابانى و هاروكي موراكامي الذى أنوى بعد أن أنتهيت من صفحات هذه الرواية الطويلة أن اقرأ باقى أعماله المترجمة- تغيرت الكثير من مفاهيمى عن الأدب.
فالرواية رغم إنها لا تعطينا إجابات للكثير من الأسئله التى تطرحها خلال الأحداث إلا إنها تسحرنا بشخصياتها الجذابة والمرسومة ببراعة شديدة حتى تشعر إنها من لحم ودم تتعاطف معها وتنتظر ماذا ستفعل فى أزمتها القادمة، لذلك لن أستعرض معكم أحداث الرواية بل شخصياتها التى وقعت فى حبها.
الرواية تسير أحداثها بالتوازى بين البطلين الأساسين، كافكا الشاب، وناكاتا العجوز، اللذين لم يلتقيا قط ولكن كل فعل من أحدهم كان يؤثر على مصير الأخر.

كافكا

البطل الشاب فى الخامسة عشر من عمره ،والذى يقرر أن يهرب من منزله يوم عيد ميلاده بعد الكثير من التخطيط على مدى سنوات، فى البداية لانعرف لماذا يهرب كافكا؟ من عنف منزلى ؟ من أب مهمل ؟ أم مجرد لعدم إحساسه بالألفه مع العالم الذى يعيش به فى العاصمة؟
خلال أحداث الرواية يخبرنا الكاتب عن الأسباب ولكن فى غمار السرد الساحر ننسى كل هذه الأسئله، يهرب كافكا لمدينة أخرى لا يعرف لماذا أختارها؟ ويقرر أن يقضى وقته فى المكتبه التذكارية لإحدى العائلات اليابانية الشهيرة وهناك يتعرف على أوشيما ومديرة المكتبة الانسه سابيكي.
تصبح المكتبه مقره الدائم ويعيش بها ليعرف فى النهاية أن إختياره للمدينة أو للمكتبة ليس عشوائياً كما ظن، ولكنه أتى إلى هنا ليكمل مصيره ويعرف الكثير مما خفى عنه فى ماضيه ويصبح له حق إختيار مستقبله مابين الحياة والموت.
كافكا فتى شجاع لا نستطيع سوى أن نعجب به رغم كل تخبطه وأخطاءه ونشفق عليه من المصير الذى رغبه له والده ونتسائل طوال الوقت هل ستتحقق لعنة والده أم لا؟

ناكاتا

العجوز الذى يستطيع التحدث بلغة القطط، وجعل من البحث عن التائه منها وظيفته بجانب المعونة التى يحصل عليها من المحافظ، نقابل نكاتا فى أحداث الرواية فى مرحلتين عمريتين مختلفتين، مره وهو طفل صغير والأخرى فى شيخوخته.
نكاتا الصغير طفل عادى مثل بقية الأطفال لكن يصاب فى حادثة غامضة ويدخل فى غيبوبة طويلة ليخرج منها شخص أخر، لا يتذكر كل معارفه السابقة، ولا يستطيع القراءة ولا تحصيل العلم والأهم فاقد لنصف ظله وهو الظل الذى جعله يجوب البلاد بحثاً عنه ليكتمل  مرة أخرى.
يرتبط مصير كافكا مع ناكاتا فى حادثة واحدة رغم عدم لقياهم ، ليقررناكاتا أن يذهب فى رحلة يبحث خلالها عن ظله ويساعد الصبى الذى لا يعرفه، وبما إنه لا يملك الخبرة ولا المعرفة يقرر الذهاب بطريقة الأتوستوب مع السائقين.
ويصل فى النهاية إلى هدفه و يحقق مصيرة بالإشتراك مع سائق الشاحنة الشاب هوشينو.

هوشينو وأوشيما

كلاهما كان أحد العوامل الأساسية فى وصول البطلين إلى مصيرهما المحتوم، فأوشيما هو من ساعد كافكا فى الحصول على عمل فى المكتبة وأعطاه الكثير من المعارف التى لم يكن يدرى بها، كان له نعم الرفيق وجعله يعيش فى كوخه فى الغابة لفترة وهى التجربة التى ساعدت كافكا فى النهاية على الوصول إلى قرار بخصوص مستقبله الغامض.
وشخصية أوشيما فى حد ذاتها جذابة للغاية، بهدوء طبعه وتصالحه مع نفسه ومعارفه الواسعة التى لايبخل بها على الأخرين.
أما عن هوشينو فلولاه لما أستطاع ناكاتا أن يحقق مهمته ، فقد قام بالكثير من الخطوات بنفسه وهو من أنهاها كذلك، والأهم المساعدة غير المشروطة التى قدمها للعجوز الذى ألتقاه بالصدفة أثناء مروره بشاحنته وقرر أن يعوض من خلاله تركه لجده ليموت وهو بعيداً عنه.

المجتمعات العربية VS. المجتمع الياباني

2013-02-03 14.13.56
كما قلت كانت هذه هى تجربتى الأولى مع الأدب اليابانى ونافذة على هذا المجتمع المختلف، و الأدب يعتبر أحد الوسائل التى ممكن من خلالها أن نتعرف على المجتمعات الأخرى حتى لو كانت رواية خيالية مثل روايتنا.
وكانت أول ملاحظاتى هى إستغراب الجميع من عدم قدرة ناكاتا على القراءة، كما لو كانت هذه معجزة فى حد ذاتها، أى أن نسبة الأمية فى هذا المجتمع شبه معدومة.
أما عن كافكا فكان يعامل هروبه من الدراسة كسر رهيب يحاول إخفائه لأن فى حاله معرفة شخص ما إنه لازال طالباً متسرباً كان هذا يعنى عودته إلى منزله فى الحال ، فإلى هذه الدرجة بلغ إهتمام هذه المجتمع بالتعليم.
وكذلك إستخدام العجوز طريقة الأتوستوب فى تنقلاته بهذه السهولة من دون قلق ولا خوف، فأول ما خطر فى بالى أثناء القراءة أن هوشينو سوف يسرق أمواله ويلقيه على قارعة الطريق على الأقل إن لم يقتله كذلك ، فمستوى الأمان وإحترام كبار السن مختلف تماماً عن المجتمعات العربية والواقع الذى نعيشه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق