Grace of Monaco .. من لا يحب غرايس؟


لقصص الخيالية دومًا تنتهي بزواج الأمير من فتاته التي تتحول إلى أميرة ويعيشا في سعادة، ولكن في الحياة الواقعية هل يتحقق ذلك؟
(غرايس كيلي) الممثلة العظيمة الحائزة على جائزة الأوسكار والجولدن جلوب ومعشوقة الجماهير الأمريكية عاشت هذه القصة الخيالية بزواجها من أمير (موناكو) الأمير (رينيه) الثالث وأنجبت منه الصبيان والبنات أيضًا، ولكن هل أكملا قصتهما مثل الحكايات التاريخية؟ هذا ما يقدمه لنا هذه الفيلم.
يتساءل المشاهد قبل بدء هذا الفيلم هل سيتناول غرايس كيلي الفنانة العظيمة، أم غرايس كيلي أميرة موناكو؟
ليبدأ بسرد قصة حياتها بعد زواجها بعدة سنوات، وتركيزه الأعظم على غرايس الإنسانة التي واجهت التحديات وانتصرت عليها سواء في عملها في التمثيل أو كزوجة أو كأميرة لإمارة موناكو في فترة حساسة في تاريخها.
الماضي عندما يؤثر على الحاضر والمستقبل
2
ماضي غرايس الذي أعنيه هنا ليس قصة نجاحها الساحق في عالم السينما؛ بل نشأتها وعلاقتها بأبويها، والفيلم رغم أنه لم يعرض الكثير من المشاهد عن هذه النقطة إلا أنه في مشهدين أو ثلاثة أعطانا المعلومات الكافية لنعلم أن غرايس كانت تعاني من التهميش والإهمال في عائلتها منذ الصغر، لا يشعر أبواها بأي من إنجازاتها وهو ما استغلته كدافع للنجاح حتى تثبت لهما ولنفسها قدرتهاعلى النجاح في أي تجربة تخوضها.
عدم قدرتها على تقبل الفشل كان دافعًا لها فيما بعد لتتخطى العديد من العقبات في زواجها، وتختار ما بين أن تكمل حياتها مع زوجها وأسرتها أم تعود إلى السينما مرة أخرى.
اختيار ما بين الشغف والاستقرار
3
يبدأ الفيلم بآخر مشاهد غرايس في عالم السينما، ثم ينتقل إلى زيارة (هيتشكوك) لها في قصرها في (موناكو) بعد سنوات من زواجها عارضًا عليها دور البطولة في فيلمه القادم.
يظهر تردد (غرايس) بوضوح مابين رفضها المبدئي لتعارض عملها في التمثيل مع مكانتها كأميرة، وبين رغبتها في العودة إلى المهنة التي شغفت بها في الماضي ولاتزال تفتقدها رغم حياتها الجديدة خصوصًا مع التباعد الذي حدث بينها وبين الأمير رينيه.
في ذات الوقت كانت الإمارة تعاني من مشاكل سياسية بسبب رغبة فرنسا في إجبارها على  فرض الضرائب على سكانها وحصول الأخيرة عليها لتمويل حربها في الجزائر وهو ما رفضه الأمير بوضوح؛ ما سبب سخط (شارل ديجول) الرئيس الفرنسي وتهديده بحصار (موناكو) وإشعال الحرب التي يعلم الكل نتيجتها مسبقًا؛ لأن الإمارة لا تمتلك جيشًا منظمًا.
ورغم ذلك ناقشت الأمير في رغبتها في العودة إلى السينما، ليوافق بشرط أن تحسن إدارة الدعاية الخاصة بالفيلم بما لا يتعارض مع مصالح الإمارة، وعاشت بعد هذا القرار فترة من السعادة الصافية واستعادت حيويتها حتى قضت على آمالها خيانة داخلية ،سربت الخبر قبل الموعد المحدد ليشتعل الرأي العام ضدها ويستخدم أعداء الأمير هذا الأمر في تهديد الإمارة؛ ليأمرها أن تنكر اشتراكها في الفيلم وتنسى هذا الموضوع بعد مشادة عنيفة بينهما أدت لقطيعة طويلة.
في هذه اللحظة وقعت الأميرة بين خيارين أحلاهما مر، أن تعود إلى عملها في السينما وشغفها بالتمثيل، ولكن في المقابل سوف تتخلى عن أولادها ورثة العرش القادمين، أو تودع السينما إلى الأبد وتكمل حياتها الزوجية والعائلية.
لاتخاذ هذا القرار راجعت غرايس كل حياتها السابقة، لتستكشف الأسباب الحقيقية التي تدفعها إلى العودة إلى عالم السينما، هل فقط الشغف وحب الفن؟ أم هناك أسباب أخرى؟
الإجابة على هذا السؤال في هاجس الأميرة عن الفشل، تشعر أنها في غير مكانها في موناكو لا تستطيع التأقلم مع الحياة، يرفضها العاملون في القصر والشعب، وتسوء العلاقة بينها وبين زوجها من يوم لآخر؛ لذلك، عودتها للسينما ليست للفن ولكن هربًا من الفشل، وهو الشيء الذي ترفضه شخصية عنيدة وقوية بهذا القدر، لتأخذ القرار الصعب وتبقى في (موناكو) لتحارب من أجل أسرتها ومن أجل وطنها الجديد وحبها لزوجها.
عثرة في الطريق أم سبب للنجاح
4
إذا قيمنا الوضع من وجهة نظر (غرايس)؛ لشعرنا أن الأمير (رينيه) مستبد يقف في طريق سعادتها من أجل مصالحه السياسية، ولكن لو أخذنا جانبه لوجدنا أنه في مأزق كبير.
فالوضع السياسي لدولته على المحك، ويتعرض للعديد من الضغوط الخارجية لتغيير سياسة بلاده، وكل خصومه يستخدمون زوجته ضده حتى تحولت إلى عثرة في طريقه.
وعلى الجانب الآخر في محاولة (غرايس) لتغيير هذا الوضع، بدأت تعلم بروتوكلات القصر بمساعدة القس تاك وأحد الكونتات مع خطة محكمة لزيادة شعبيتها على المستوى الدولي والمحلي واستخدامها لذكائها في كشف خطة من أخت زوجها للتعاون مع الحكومة الفرنسية مقابل أن تحكم هي البلاد بدلًا من أخيها.
يظهر لنا هنا وجه آخر للبطلة، فبدلًا من أن تتبرأ من تاريخها، تستخدم قدراتها على كسب القلوب ومهارتها وتاريخها في إعلان اعتزالها وتمسكها بعائلتها وإقامة حفل عملاق للصليب الأحمر دعت فيه الرؤساء الأوروبيين وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي لتقلب الأمور رأسًا على عقب، وتري العالم عاقبة تدمير دولة مسالمة مثل (موناكو) إرضاء لحسابات سياسية، وتنتهي خطتها بالنجاح لتنقذ في هذه اللحظة وطنها الجديد وزواجها في آن واحد.
أداء رائع وتصوير أروع
5
النجمة (نيكول كيدمان) أبدعت في أداء دور غرايس كيلي، خصوصًا مع المكياج وتسريحات الشعر التي جعتلها قريبة في الشبه منها للغاية، وكذلك تركيز التصوير على عينيها وشفتيها في الكثير من اللقطات ليظهر لنا المخرج الانفعالات والمشاعر التي تمر بها عن قرب.
ومن أجمل المشاهد، الخطاب الذي ألقته في حفل الصليب الأحمر وقد تم التركيز على المنطقة مابين عينيها وذقنها، وهي مناطق الشبه مابين (نيكول) و(غرايس) حتى يظن المشاهد للحظات أن غرايس كيلي فعلًا من تتكلم.
الفيلم في مجمله تجربة عميقة مليئة بالمشاعر الإنسانية، وأداء تمثيلي متميز وقصة إنسانية مشوقة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق