لا تضعي نفسك في أي صندوق


أشاهد هذه الأيام أحد المسلسلات الأجنبية، وكالمعتاد أُعجب بالكثير من النماذج النسائية*، وتلهمني الكثير من الأفكار وتضع النقاط فوق حروف أفكار أخرى.

في أحد المشاهد واحدة من البطلات وهي شخصية قوية، ناجحة في عملها، جميلة وثرية، تصطدم مع حبيبها بسبب اختيارها تخصصًا طبيًا يحرجه، وكان ردّها عليه هو أن لا يحاول وضعها في صندوق يلائم ما يريده منها، يقلل من إمكانياتها لأنها تخيفه، عليه أن يتقبلها ككل ويحترمها أو يتركها.

وتذكرت كم مرة حاولت أن أضع نفسي في صندوق من أجل شخص ما، سواء في حياتي الشخصية أو العائلية أو حتى العملية، كم مرة أخفيت قدراتي حتى لا تخيف الآخرين وتشعرهم بانعدام الثقة في أنفسهم، ما يؤدي في النهاية إلى معاملتي بأسلوب عدائي أو استبعادي على أقل تقدير.

ظللت هكذا حتى تمردت في يوم من الأيام وقررت من لا يعجب بي كما أنا أو يتهمني بالغرور لاستغرابه ثقتي في نفسي هو الخاسر، وقد كافأني القدر على قراري هذا بزوج أخرجني من كل الصناديق التي حاولت أن أدخل نفسي بها لأعجب الآخرين، أحببني كما أنا، والأهم احترم قدراتي، أكثر حتى مما احترمتها.

وكلما شككت في نفسي وفقدت الثقة بكل شيء كان بكلمات بسيطة يضعني مرة أخرى على الطريق، ولا أنسى منذ ثمانية أشهر أخبرته عن جدوى كتابتي، وهل هناك من يقرأ ما أكتبه؟ وهل في يوم الأيام ستكون هذه الكتابة عملاً بالنسبة لي وليست فقط هواية؟ كان ردّه ولم لا، هذا يرجع لما أريده أنا.

اليوم تذكرت كل هذا، وتذكرت كذلك العديد من النساء في مجتمعنا اعتدن على قص أجنحتهن لإرضاء حبيب أو زوج يقلل منه أن تكون زوجته أنجح أو تكسب أكثر، وبدلاً من أن يتباهى بإمكانياتها المتفرّدة يخفيها كما لو كانت فضيحة.

تذكرت بعض التفسيرات لمشكلة تأخر الزواج بالنسبة للفتيات، فالفتاة عندما لا تتزوج في سن صغيرة سوف تعمل، وقد تكمل دراستها العليا، وبالتالي تقل فرصها في الزواج، فلا يوجد خاطب يقبل بعروس في مكانة علمية أو عملية أو مادية أعلى منه شخصيًا.

في الحقيقة العكس الذي يحدث أحيانًا، فالفتاة التي اعتادت أن تكون وحيدة مستقلة ناجحة لن تستطيع أن تبادل كل هذا بعلاقة يحاول فيها الطرف الآخر أن يأخذ منها كل الامتيازات التي حققتها بمجهودها ليعطيها لقب زوجة، ولها في هذا كل الحق، هي اعتادت أن تحلّق بعيدًا، فمن يريد أن تقص من ريشها وتصبح كائنًا أرضيًا من أجله يجب على الأقل أن يكون يستحق.

دومًا كنت أفكر أن أقرب شخص لي وأكثر من أقضي معه وقت هو أنا، فإن كنت غير راضية عن نفسي ولا أحبها ولا أحترمها فكيف أعيش معها؟

لذلك لا تقصي أجنحتك من أجل شخص ما، أيًا كانت مكانته في قلبك، لا تفقدي أجزاء من نفسك حتى تناسبي صندوقًا ما أعدّه شخص لك، أنتِ أكبر من كل صندوق، ولا يليق بك شخص يقلل منه وجود أنثى بقوتك بجواره.

* المسلسل الذي أتحدث عنه هو Private Practice.
لينك المقال الاصلي: لا تضعي نفسك في أي صندوق



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق