عيون كبيرة على آلام المرأة

في بعض الأحيان نغمض أعيننا عسى ألا يرانا العالم، ولكن تظل أعيننا الداخلية تتأمل ما يحدث، تنبهنا لما يؤلم، وتخبرنا أنه حان وقت التوقف عن الهروب ومواجهة المصير، فلم يعد السكوت هو الحل الوحيد المتاح.

ربما كان هذا ما شعرت به مارغريت كين، الرسامة والشخصية التي تدور حولها فيلم Big eyes، ولمن لم يشاهد الفيلم فلنستعرض سريعًا القصة الأشهر في عالم الفن.

مارغريت امرأة غير عادية، فنانة حقيقة، درست الرسم وأحبته وكانت مستعدة لتعيش منه، لكن الحياة فرضت عليها أدوارًا متتالية، في البداية ابنة لشخص ما، ثم زوجة لشخص آخر، وفي النهاية أم لفتاة، أصبحت نافذتها الوحيدة على العالم، فأصبحت هي ملهمتها في لوحاتها، ولكن تقرر في لحظة ما الهروب من هذا الوضع الخانق، أن تترك زوجها وتطلب الطلاق، وتأخذ ابنتها لتعيش معها في مدينة أخرى. أحداث الفيلم تدور في أواخر الخمسينيات، لذلك كان هذا الفعل مستغرب تمامًا حتى في المجتمع الغربي، ولكنها شقت طريقها رغم كل الأعين المتّهِمة لأنها تمردت وخرجت عن القطيع.

لكن فترة تنفسها للحرية كانت قصيرة للغاية للأسف، فسرعان ما انتقم منها زوجها السابق، بطلبه لضم ابنته إليه بسبب عدم قدرة مارغريت على تربيتها وحدها، وعندما بدأت الأبواب تغلق في وجهها لم تجد مخرجًا سوى الزواج من والتر كين، الرجل الوحيد الذي تعرفه في المدينة وزميلها في الفن.

استغربت في البداية لماذا وافقت على الزواج بهذه السرعة، ولم تتمسك بحريتها التي ما استمتعت بها بعد، ولكن تذكرت أن في بعض الأحيان عندما نشعر أن العالم كله يعادي قرارًا صائبًا اتخذناه، يكون الاستسلام أسهل، وحقيقة أن حتى الأقوياء هناك أوقات يشعرون بالضعف والرغبة في الحماية، هي كانت للتو خارجة من معركة كبيرة، لم يعد في وسعها احتمال معركة أخرى، فقررت أن تستسلم لأول يد ممدودة وأن تثق بها.

في البداية كان والتر الزوج المثالي، هو على الرغم حبه للفن، لكنه يعمل في مجال التسويق العقاري، مستقر ماديًا، قدم لها محبة ومنزلاً واستقرارًا، والأهم ضمن لها بقاء ابنتها معها، فتفرغت للرسم، وكان لها أسلوب معين فيه وهو تصوير الأعين بحجم أكبر من الطبيعي، لإيمانها أن الأعين هي أهم وسائل التواصل، بسبب إصابتها بالصمم بعض الوقت في طفولتها وكانت وسيلتها الوحيدة لفهم مشاعر البشر هي أعينهم.

وبدأ والتر في التسويق للوحات كل منهما، واستقر في النهاية على عرض اللوحات في أحد المطاعم، وعندما بدأت لوحاتها في اجتذاب الأنظار اعتقد الناس تلقائيًا أنها تخصه، بما أنها توقع عليها باسمها بعد الزواج، وهو لم ينفِ هذا الاعتقاد، وكلما كبر النجاح أصبح كونه صاحب اللوحات أهم وأرسخ، لتستيقظ بعد عشر سنوات، لتجد نفسها ليست سوى عبدة يحبسها زوجها في المرسم لمدة ستة عشر ساعة يوميًا، ترسم له اللوحات الواحدة تلو الأخرى، ليأخذ هو المجد والتقدير وهي في الظل، يبعدها عن ابنتها حتى لا تعرف السر، والمبرر هو: لماذا لا ترسم طالما أنهما يتشاركان في المال، وبدون تسويقه ما كان أحد سمع عن لوحاتها.

ثم في النهاية تكرر مارغريت ما فعلته في البداية، تأخذ ابنتها في سيارتها وتهرب من زوجها الذي يحاول أن يحرقها بعد فشل إحدى لوحاتها، تولد من جديد مع هذه الخطوة، وعندما يحاول مساومتها على الطلاق بطلب 100 لوحة جديدة، ترسلها له بتوقيعها، ثم تفضح الحقيقة وتقاضيه.

ربما كانت المقاضاة انتقامًا جيدًا من والتر، ولكن ليس كافيًا، فما عانته معه مارغريت ليس مجرد سرقة لوحاتها، بل هو اعتداء واضح، فالاعتداء والعنف الزوجي ليس معناه أن يضرب الزوج زوجته أو يهينها، لكن يقع تحته أيضًا العنف المعنوي، التأثير عليها، إخافتها وتهديدها، تهميشها في أوقات كان يحصد هو نجاحها، ربما أخذت حقها في لوحاتها، ولكن من يعوضها عن عشر سنوات من عمرها ضاعت مع رجل أشعرها طول الوقت أنها صغيرة للغاية في حين أنه يكبر على أكتافها؟

ومن يعوضها كذلك عن عشر سنوات بعيدًا عن ابنتها وهما في منزل واحد؟ عن عزلتها عن المجتمع، وانقطاعها عن أصدقائها؟ عن خوفها من الزوج المفترض أن يكون مصدر الأمان؟

مارغريت كانت ضحية رجلين ومجتمع وقوانين، فالمجتمع الذي أشعرها طوال الوقت أنها غريبة ومذنبة لتركها زوجها وينظر لوضعها -كمطلقة- بريبة، والقانون الذي أعطى زوجها السابق الحق في انتزاع حضانة ابنتها منها طالما ليست متزوجة، هما من أسلماها إلى والتر وأجبراها على اتخاذ قرار الزواج منه، وخوفها من خوض المعركة من جديد جعلها تستمر وتفضّل العيش تعيسة بجوار رجل يقمعها على الخروج للمجتمع وحيدة عارية مرة أخرى.

صفحة الفيلم: اضغط هنا 

لينك المقال الاصلي: اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق