The booth at the end.. ماذا لو لدينا حق اختيار المصير؟



يتخيل الإنسان نفسه أقوى من أي مغريات، وأنه عندما يوضع أمام اختيار ما، سيكون خياره عادلًا يتلائم مع من حوله، ولن يظلم أحدًا أو يتجاهل أيًا من مبادئه. ولكن الحقيقة تختلف عن ذلك كثيرًا، وإلا لما أخطأ أحد وصار البشر كلهم ملائكة.
قصة المسلسل:
2
وهذه هي النقطة التي يدور حولها مسلسل “The booth at the end”: ماذا لو عُرض عليك الحصول على أكثر شيء تريده في الحياة، ولكن في المقابل ستقوم بمهمة ما؟ لا تستطيع اختيار المهمة، لكن لك الحرية في قبول العرض أو رفضه. ماذا لوكان طلبك هو شفاء طفلك المريض أو الزواج من فتاة أحلامك أو شفاء زوجك المصاب بالزهايمر، هل يستحق هذا أن تقتل لأجله؟ أو تفجر مطعمًا به العشرات؟
يتساءل المشاهد طوال الوقت: ماذا لو كنت مكان هؤلاء؟ هل سأفعل مثلهم؟ رد الفعل الأولي هو بالطبع: “لا”. لكن الحقيقة قد تختلف، فكل أبطال المسلسل في البداية استنكروا الطلبات أيضًا. ولكن، مع ضغط الحاجة، والشعور بأن ما يريدونه قريب للغاية منهم؛ يقل هذا الاستنكار بالتدريج، ليخضعوا في النهاية للإغراء.
3
هذا المسلسل أحد المسلسلات المستقلة، وهو قصير للغاية، من موسمين، وكل موسم من خمس حلقات، مدة كل حلقة 20 دقيقة. بطله بدون اسم، مجرد رجل جالس على آخر طاولة في المطعم، يحمل مفكرة صغيرة وينتظر أن يأتي له شخص بأمنيته السرية، يستقبله ويعرف منه ما يريد، ثم ينظر بداخل المفكرة ليعرف المهمة المحددة لهذا الشخص، ولو قرر الموافقة وإتمامها يجب أن يسرد عليه التفاصيل التي يقوم بها حتى ينتهي، وكلما يتقدم في التنفيذ كلما تبدأ بوادر حصوله على ما يريد.
السؤال هنا: من هو هذا الشخص؟ هل هو شيطان ما يستطيع التحكم في مصائر البشر بهذه الطريقة؟! ولكن، في الحقيقة، ومع أحداث المسلسل، نكتشف أنه ليس لديه أي سيطرة على ما يحدث أو قدرة على الاختيار، هو فقط خادم للمفكرة، يدون فيها تفاصيل المهمات ويقرأ منها ما هو مطلوب من كل شخص، السر كله في هذه المفكرة، وحتى نهاية الموسم الثاني لانعلم بالفعل ما السر وراء هذه المفكرة السحرية. ولكن، يزيد عاملا التشويق والغموض من الانجذاب للمسلسل في البداية، ولكن في النهاية يصل المشاهد إلى درجة أنه يتناسى رغبته في معرفة هذا السر، وينغمس في التفاصيل الدقيقة والمتعة الفائقة.
أما عن السؤال الأهم: هل بالفعل هذه المفكرة تستطيع أن تتحكم بمصائر البشر؟ أم أن ما يحدث لهم بعد إتمام المهمات كان مصيرهم الأساسي وما فعلوه لم يغير شيئًا، فقط ارتكبوا الخطايا في سبيل شيء مقدر لهم الحصول عليه منذ البداية؟
مصائر متشابكة:
في هذا المسلسل، نجد أن مصائر الأبطال متشابكة مع بعضها البعض؛ فكل فعل يقوم به أحدهم قد يؤثر على مصير آخر دون أن يعلم السبب. على سبيل المثال: نجد أن مهمة شخص يريد شفاء ابنه المريض؛ أن يقتل طفلة صغيرة، في حين أن مهمة آخر يرغب في الزواج من فتاة أحلامه؛ أن يحمي هذه الطفلة، ويصبح هناك صراع خفي بين هذين الشخصين دون أن يعلم كل منهما أن الآخر يرغب في إتمام مهمته مثله تمامًا.
وهكذا، نجد ترابطًا بين الأبطال الآخرين، ونحتار: من منهم نريده أن ينجح في مهمته؟!
عوامل قوة المسلسل:
4
على الرغم من ضعف إنتاج المسلسل، وكون أحداثه كلها تدور في ذات المطعم، إلا أنه مميز للغاية؛ وذلك لعدة عوامل، وهي:
أولا- الفكرة المختلفة. فبعيدًا عن عالم المسلسلات الرومانسية والاجتماعية والخيال العلمي والبوليسية، طرق هذا المسلسل بابًا لا يطرقه الكثيرون، وهو الدراما السيكولوجية أو النفسية، التي تركز على الدوافع التي تجعل من الإنسان يتخذ قرارًا وينبذ آخر، وماذا سيفعل لو كان بيده أن يختار مصيره، هل سيفكر في الآخرين أم ستبرز الأنا لدى الجميع؟
ثانيًا- القدرات التمثيلية الرائعة لدى بطل المسلسل”Xander Berkeley“، الذي استطاع أن يُنسي المشاهد أي شيء آخر، سواء إنتاج فقير أو عدم وجود أي مشاهد خارجية.
فالشخصية من الخارج تبدو شريرة، فهو المتحكم في مصائر هؤلاء البشر ويفرض عليهم أمورًا يستنكرها أي شخص ذي ضمير، ولكن نكتشف أنه ليس بيده أن يختار أو يغير في شيء مما تفرضه عليه المفكرة، بل نشعر بتعاطفه مع الشخصيات التي تأتي لتقابله، كما لو أنه يرجوها بنظراته أن تتراجع قبل فوات الأوان.
ثالثًا- التشويق والإثارة. فمع كل خطوة يخطوها كل شخص؛ يتغير مصيره ومصير آخرين أيضًا، فهل سيكمل ويحصل على مايريد أيًا كانت النتيجة؟ أم سيتراجع ولن يقوى على تنفيذ مهمته؟
رابعًا- الشخصيات نفسها. فعلى الرغم من الإحساس الأولي من استنكار فكرة أن شخصًا قد يفعل شيئًا غير قانوني أو يؤذي شخصًا آخر لمجرد أن يحقق ما يريد، إلا أنه في بعض الأحوال لا نستطيع سوى التعاطف مع بعض الحالات، مثل الفتاة التي تريد أن تشعر والدتها بالسعادة مرة أخرى، وتكون مهمتها هي دفع خمسة أشخاص للبكاء. ورغم أنها تبدو مهمة بسيطة، إلا أنها لا تستطيع إتمامها.
خامسًا- الحوار. المسلسل في مجمله يعتمد على الحوار بين الشخصيات، فلا توجد أحداث من أي نوع، ولكن كاتب السيناريو أجاد صنع التشويق وجعل من كلمات الأبطال قادرة على نقل صورة واضحة لكل ما يفعلون خارج المطعم.
في النهاية، المسلسل تجربة مميزة ومختلفة، وقليلة هي الأعمال الفنية التي تدفع المشاهد للتفكير طوال الوقت والبحث داخل نفسه عن إجابات لأسئلة لم تخطر على باله من قبل.
للمقال الاصلي: اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق