"بدينة ولكن" لا تحكموا عليّ


اليوم محور حديثنا عن رواية أخرى للكاتبة دانيال ستيل، وهذه المرة رواية تصف مشاعر نسبة كبيرة من الفتيات، لا يجب أن يكنّ بدينات حتى تتطابق معهن بعض ما حدث في الرواية، يكفي أن يكنّ بأي مظهر لا يعتبر من علامات الجمال في المجتمع حتى يتم الحكم عليهن بنفس الطريقة كما حدث في الرواية، لن أطيل الحديث عليكم ولكن أدعكم مع أحداث الرواية الرائعة "بدينة ولكن".

نعود للحكاية منذ البداية، أب نرجسي، أم خانعة لزوجها تلبي كل أوامره، تترك عملها وأحلامها لتحيا في ظله دون أي تردد فقط لتكون زوجته، يحكمان على العالم بطريقة مادية بحتة، حتى فكرة الحصول على طفل كانت بالنسبة لهما نوعًا من الوجاهة الاجتماعية لإكمال الصور المثالية لحياتهما.
وكان من المتوقع أن يكون الطفل الصبي، نعم فليس في وطننا العربي فقط، فالكثير يفضلون الصبيان في بعض الأحيان، لذلك صدمة الأب كانت كبيرة، فهو لم يزرق بفتاة فقط، بل فتاة قبيحة لا تشبهه ولا تشبه أمها عارضة الأزياء السابقة.

تم الحكم على "فيكتوريا" منذ البداية بأنها الطفلة الصغيرة القبيحة التي تشبه جدة أبيها البدينة، حتى الاسم الذي أنتقاه لها الوالد غير الفخور كان "فيكتوريا" علىاأسم ملكة إنجلترا إمعانًا في السخرية.
لتكبر طفلة لا تفهم إشارات والدها ولا سخريته من شكلها، حتى رأت صورة الملكة فيكتوريا وتنصدم، فطالما كانت فخورة بأن سميتها ملكة، وتخيلتها كأميرات القصص الخيالية.

وكانت هذه أولى خطوات ترسيخ حكم أهلها على شكلها في ذهن الصغيرة، وفى السابعة من عمرها يصبح لها أخت أخرى، ولكن هذه المرة جاءت الطفلة جميلة تشبه أبويها، ورغم صدمته في عدم حصوله على صبي مرة أخرى لكنه وجد تعويضه في جمال الصغيرة، ليسمي فيكتوريا "كيك الاختبار" أي الكيك الذي يتم إعداده لاختبار الوصفة قبل تنفيذها في مناسبة هامة، وهو الاسم الذي ظل ملتصقًا بها بعد ذلك.

رغم التفرقة الواضحة في المعاملة والمحبة بين الفتاتين، فلم تكره "فيكتوريا" أختها بل أحبتها واعتنت بها بدلاً من والدتها المشغولة دومًا بدروس الجولف ودورات البريدج وباقي الأنشطة الأخرى المسموح لها بممارستها.

نضجت "فيكتوريا" ونما جسدها في مرحلة المراهقة، ولكنها لم تتقبل هذه التغييرات بل اعتبرتها تشويهًا جديدًا لمظهرها، ومع نموها وباقي ضغوط سن المراهقة، أصبح الطعام هو المتنفس لإحباطها المتواصل من سخرية والدها وعدم إنصاف والدتها التي تخبرها في كل مناسبة أنها لن تحظى بحبيب أو صديق أو زوج في يوم من الأيام لأن الرجال لا يفضلون الذكيات.

وللأسف في النهاية حكمت هي على نفسها بذات الحكم وأصبحت تعامل نفسها بنفس المفهوم، في حرب دائمة مع جسدها، تفقد بعض الوزن بالحميات القاسية أو بحبوب ومشروبات الأعشاب، وما أن تصاب بأي إحباط تعود إلى نظامها الغذائي الخاطئ، لم يعد هناك مجال للتصالح مع جسدها بعدما حكمت عليه بأنه بدين في حاجة دائمًا للعلاج للحصول على الشكل المثالي.

ورغم أنها سئمت من محاولة الحصول على رضى والديها، بل انتقلت إلى مدينة أخرى للابتعاد عن تأثيرهما السام، لكنها اصطحبت معها حكمهما عليها لتجلد نفسها بكلماتهما من وقت لآخر.

لتصل إلى سن الثلاثين، امرأة ناجحة في عملها رغم عدم اعتراف والديها بوظيفتها ولا أهميتها لأن راتبها ليس كبيرًا بالقدر الذي يرضيهما، بدون زوج أو حتى صديق مقرب، في حين أن أختها الأصغر منها بسبع سنوات في يوم تخرجها من الجامعة حصلت على عرض زواج من شاب من أغنى عائلة في المدينة، ورغم كل عيوبه ونرجسيته الواضحة فإن فخر الوالدين لا يضاهيه شيء.

وبالطبع ألقى هذا الضوء أكثر على فشل ابنتهما الكبرى في الحصول على زوج أيضًا، وأصبح أي اعتراض منها على سرعة هذا الزواج أو على سن أختها الصغيرة أو على عيوب العريس هو بسبب غيرتها من أختها.

لتقرر في النهاية أن لا تدع نفسها محل شفقة أحد في حفلة زفاف أختها بعد سنة، وتأخذ بضعة قرارات، أولها أن تفقد بعض الوزن الزائد وأن تفتح قلبها وعقلها للحب لتجد رجل أحلامها، ليس من أجل والديها بل من أجل نفسها.
لأول مرة تقرر "فيكتوريا" أن تكسر القالب الذي وضعها بها والداها منذ الولادة، والصورة التي صمما على أن يروها بها.

وبالفعل في النهاية تحضر الزفاف وهي ترى نفسها بصورة أفضل، رغم أنها لم تفقد كل الوزن الذي حلمت به وأنها ارتدت فستان لا يليق بها تحت ضغط من أختها لكنها كانت راضية عن نفسها لأول مرة.
حتى لو كانت بدينة وغير متزوجة فهذا أفضل من أن تكون الابنة الجميلة التي تتزوج من شاب رائع ولكن يخونها ويجاهر بذلك، ولا يهتم بذلك والدها مثلما حدث لأختها، لقد تيقنت أن معايير الحكم الخاصة بوالديها خطأ، تنافى حتى المنطق والتفكير السليم مما كسر الحاجز الأخير الذي كان يعوق حبها لنفسها.

في النهاية كل طفل لا ينتظر من أبويه إلا القبول المطلق لمظهره ولإمكانياته ولكن للأسف، الكثير من الآباء ينتظرون من أبنائهم دومًا المزيد، المزيد من النجاح، المزيد من التفوق، المزيد من الجمال، مما يخلق في نفوس أولادهم ندوبًا دائمة وتشوهات في صورتهم عن أنفسهم قد تظل تتحكم فيهم طوال حياتهم.

لينك المقال الاصلي: "بدينة ولكن" لا تحكموا عليّ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق