الست الخطر تطبخ الملوخية

قرأت منذ أيام مجموعة قصصية أقل ما يقال عنها إنها رائعة ومميزة بالفعل، وهي "طبيخ الوحدة" للكاتبة "أمنية طلعت"، قدمت خلال هذه المجموعة نماذج مختلفة لنساء يواجهن مخاوفهن بالطبخ وطهي طعام شهي، سواء يلتهمنه مع وحدتهن أو مع صديقاتهن. ومن أروع القصص معضلة الملوخية، وبطلتها نموذج للست التي يعتبرها المجتمع خطر جدًا.

البطلة سيدة صنع منها والدها وموهبتها شخصية مختلفة عن مجتمعها، فعندما رأى منها ذكاءً شديدًا، أصرّ أن تكمل تعليمها وخصص لها حجرة للمذاكرة، ورفض كل توسلات والدتها الريفية التي رغبت أن تجعلها تترك الدراسة لتتعلم الطبخ، فهذا ما سينفعها في مستقبلها، وماذا تكون الزوجة بدون القدرة على تقديم الوجبات الشهية لزوجها، ولكن يصر الزوج على العكس، ويخبر زوجته، "ها أنت تطبخين، لكن هل تظني أني سعيد بالزواج منك؟".

تكبر الفتاة، تصبح جراحة مخ وأعصاب، وهو التخصص ذو البوابة الضيقة في وجه جنس النساء، ولكنها تنجح وتتفوق، وتتزوج وتنجب كذلك الولد والبنت، لتفشل نبوءة والدتها، التي اعتقدت أنها لن تستطيع الحصول على زوج وهي لم تتعلم الطبخ.

ولكن تنقلب حياتها رأسًا على عقب، عندها يقرر زوجها الزواج بأخرى، وهو القرار الذي لم تقبله، فقامت بخلعه واحتفظت بأبنائها، وعالجت جراح روحها بالطهي، وتعلمت وصفات جديدة ربما لم تسمع عنها والدتها من قبل، ولكن كان لديها مشكلة واحدة، وهي معضلة الملوخية، لم تستطع أبدًا صنع الملوخية مثل الخاصة بوالدتها، هناك شيء ينقصها ولا تعرفه.

وعندما تسأل والدتها عن سر الطبخة، يكون الرد موجعًا مؤلمًا، إنها لم تتعلم الطبخ منذ البداية، لذلك لن تستطيع أن تتعلمه الآن، إنها فشلت في زواجها لأنها لا تستطيع أن تطبخ كما فعلن أخواتها الفتيات، التي ما زالت كل منهن في منزل زوجها ولم تصبح مطلقة.

رد الأم رغم أنه قاسٍ بسبب مصدره، لكنه لخّص وجهة نظر المجتمع في بطلة القصة التي يعتبرها الجميع خطرًا بكل المقاييس، أولاً هي خرجت عن الخط المعروف لنساء قريتها، لم تتعلم الطبخ على يد والدتها، بل قررت تعلم جراحة المخ والأعصاب، ورغم أنها أفادت الكثير من البشر، لكن نجاحها جاء كصفعة على وجوههن رغمًا عنها، وهي الصفعة التي ردتها والدتها لها في الوقت المناسب.

هي خلعت زوجها عندما تزوج من غيرها، وهو رد الفعل الذي لن تقوم به الكثير من النساء، ومن المؤكد لن تقوم به والدتها، حتى لو تزوج زوجها ثلاث أخريات، لقد حطمت البطلة الكثير من التابوهات، بل زادت على ذلك وتعلمت الطهي وبوصفات جديدة متقنة.

ولكن كان لها نقطة ضعف واحدة في الصرح الذي صنعته لنفسها، وقد ضرب الجميع على هذا الوتر الحساس، فأولادها لا تعجبهم الملوخية التي تصنعها، بل يرغبون في تلك التي تقدمها جدتهم، أما عن والدتها فقررت زيادة عذابها بإرسال حزمة من الملوخية الخضراء، لترى ما تصنع بها.

ولكن في إحدى الليالي، قبل إجراء عملية صعبة في اليوم التالي استيقظت عند الفجر، وقامت بصنع الملوخية من الحزمة التي أرسلتها والدتها، وأهملتها هي في الثلاجة عسى أن تخرب وتلقيها في القمامة وتتخلص من وجودها المؤرق، وتركت الملوخية دون أن تذوقها لتذهب وتجري عمليتها الناجحة والتي أنقذت بها نظر سيدة، وعندما عادت وجدت الإناء فارغًا من الملوخية، التي التهمها أولادها بالكامل من جمالها.
في هذا اللحظة شعرت أخيرًا بالانتصار، بأنها بدون نقاط ضعف، أو ليست سيدة فاشلة كما وصفتها أمها.

الست الخطر في بعض الأحيان تكون المختلفة عن بيئتها، سواء بنجاح، أو بقرارات صعبة، أو حتى بالتميز فيما تتقنه باقي السيدات، وللأسف المعاملة العنصرية التي تلاقيها أو تنميطها لا يكون دومًا على أيدي الرجال، فالنساء يتقنّ هذا الأمر في بعض الأحيان أفضل وأوجع، فأم البطلة هنا هي رأت في ابنتها تهديدًا لها وللمجتمع الذي تمثّله، لذلك حاولت التقليل من شأنها في كل فرصة، بينما والدها هو الذي آمن بها.

*المجموعة مصدرة من دار حواديت للنشر.
صفحة المجموعة على  Goodreads
المقال الأصلي: اضغط هنا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق