لهذه الأسباب.. لا تريد المرأة شيئًا


يقول عني زوجي إني امرأة محظوظة، فما أتمناه يحققه لي الله، وهي حقيقة بشكل أو بآخر، بالفعل بعض أحلامي تتحقق بطريقة سحرية، لكن لا تأتي خالصة بالطبع، فطبيعة الحياة أن المر يأتي مع الفرح مثل خطّين متوازيين، فكلما أردت شيئًا وحصلت عليه يأتي معه بعض الحزن أو القلق أو الخسارة، لكن ذلك لم يردعني عن تمني المزيد، فبجانب أنني محظوظة أو "فيه عمار بيني وبين ربنا" مثلما يقول زوجي، فأنا امرأة متطلبة، أريد الكثير من الأشياء سواء معنوية أو مادية، لي أو لعائلتي أو لأصدقائي.

ولكن تأتي بعض الأوقات، عندما أواجه السؤال "إنتي عايزة إيه؟"، يكون الرد "لا أريد شيئًا"، ليس عن زهد مفاجئ، أو رضا بالموجود.
وهذه ليست حالي وحدي، فالكثير من السيدات عندما تسألهن ماذا تريدين هدية في عيد ميلادك أو عيد الام، تخبرك "لا أريد شيئًا، يكفيني وجودكم حولي"، أو أي من الأجوبة الأخرى التي تدل على التسليم، دون وجود الجرأة على طلب المزيد، وعندما بحثت عن سبب وصولي إلى هذه الحالة من وقت لآخر وجدت بضع إجابات.

التعب

تحقيق الاحلام والوصول لما نريد، ليس بالشيء الهيّن، فلا توجد جنيات سحرية، وعلى الاغلب قليلون جدًا هم الأشخاص الذي يمدّون لنا يد المساعدة، فنجد أنفسنا في دوامة دائمة، من عمل وبحث وتفكير، لتحقيق أهدافنا، وليس فقط الأهداف الكبيرة أو المصيرية، فمجرد عيش الحياة، ومجابهة كل يوم للخروج منه بأقل الخسائر، يستنزف من جهدنا الكثير.
لأستيقظ في يوم من الأيام مع الشعور بأني لا أريد شيئًا، أتمنى أن أكف عن الأحلام، فالتفكير بها مرهق، ومحاولها تحقيقها أكثر إرهاقًا، الإحباط واليأس والنوم في الفراش وتأمل سقف الحجرة قد يبدو خيارًا أكثر راحة لبعض الوقت، والذي قد يمتد لكل الوقت، لو لم يأتِ ما يوقظني ويذكرني بهدف قديم لم يتحقق بعد، أو أرى كتلة الأحلام التي تسمي ابنتي، والتي من أبسط حقوقها أن أقفز من فراشي لأبدأ سعيًا جديدًا لي ولها.

السباحة ضد التيار

للأسف لدى مجتمعنا مجموعة من الأهداف الجاهزة للمرأة، يجب أن تحققها في مواعيد محددة، وإلا اعتبرها متخلفة عن الجدول الكوني الموضوع لها، بينما أنا جدولي الخاص قد يحتوي ذات المتطلبات لكن ليست بنفس الترتيب، أو أهداف أخرى يستسيغها من حولي بصعوبة، فمن المتوقع من المرأة في سني أن تريد طفلاً أخر، وتركن في المنزل لتبحث لطفلتها الأولى على مدرسة أو حضانة، يصبح هدفها الأكبر في الحياة هو دعم مستقبل زوجها المهني، ولكن أن تعلن أنها مشغولة بعملها أيضًا، وهذا ليس الوقت المناسب لشيء يعتبره من حولها من الأولويات، لن يجذب إليها إلا الاستنكار، أو على الأقل مصمصة الشفاه، والحديث عنها في غيابها وعدم تقديرها لنعمة الزوج والمنزل والأطفال.

أغلب الوقت لا يهمني ذلك، وأسعى للحصول على المزيد من الحرية، والقوة، وأطلب ممن حولي تفهّمًا أكثر، ثم بدأت أشعر أنني أسبح ضد التيار، وحتى لو شعور المقاومة يدفع في عروقي الإثارة والشعور بالقوة، لكن بعد أيام وشهور تشعر ذراعاي بالوهن والتعب، وأحتاج أن أستريح قليلاً على أي صخرة التقط انفاسي، لأبدأ من جديد حربًا عرفت بعدما خبرتها أنها ليست اختيارية بل إجبارية، فلا يوجد أمامي سوى خيارين، أن أعيش كما يريد مني الآخرون وأفقد نفسي لأجد أنني لا أميّز ملامحي بعد فترة، أو أصمد لأحتفظ بحياتي كما أريد وأتحمل في سبيل ذلك الطاقة السلبية التي يصدرها لي الاخرين من وقت لآخر.

الخوف من الخذلان

للأسف ما نريده لا يعتمد علينا فقط، على سبيل المثال، عيد ميلادي السابق أتممت الثلاثين، وبما أن الرقم مهم بالنسبة لي وأردت أن أحتفل به بالطريقة اللائقة، أخبرت من حولي بما أريد والهدايا المطلوبة، وكان في رأسي تفاصيل أخرى لم أصرّح بها في انتظار أن تحدث على سبيل المفاجأة لأفرح بها أكثر، ولكن ما حدث أن ما طلبته قد تم تنفيذه، ولكن ما انتظرته لم ينتبه له أحد، هذا بالضبط ملخص ما يحدث في كثير من الأحيان، تتعب المرأة كثيرًا في إخبار من حولها بما تريده، فمن ناحية هي لا تحب أن تشعر أنها كثيرة الطلبات، ومن ناحية أخرى ترغب في أن تلقى التقدير والمحبة دون طلب ذلك مباشرة، ومع تكرار التجارب المحبطة يتولد لديها شعور الخذلان، وحتى تحمي نفسها من هذا الإحساس تتوقف عن تمني الأشياء، حتى لو كان بداخلها فقط دون تصريح، وحتى لو كانت أشياء بسيطة لن تتعب أحدًا في تلبيتها.

الست المثالية لا تطلب الكثير

وهذه تعتبر من أكثر النقط التي تستفزني، هناك معتقد موروث، أن الفتاة والمرأة المثالية هي قليلة الطلبات، ويفضّل أن لا تطلب شيئًا من الأساس، فنجد أن الأمهات الأكبر في السن يخجلن عندما يدللهن أبناؤهن يوم واحد في السنة بهدية في عيد الام، كأنهن يأخذن شيئًا أكثر من حقهن، والأسوأ أن هدايا عيد الام على الأغلب تكون أدوات في المنزل يحتجنها، كأن المرأة التي تحولت لأم ليس من حقها أن يكون لها طلبات شخصية.

وهناك أسباب كثيرة تختلف من امرأة لأخرى حسب شخصيتها أو ظروفها، وللأسف يعتقد الكثيرون أن المرأة التي لا تريد شيئًا -كما قلت- امرأة مثالية، أو لديها كل ما تريد، ولا يعلمون أنها عندما تصل إلى هذا النقطة فهي تعطي من حولها والدنيا بأكملها ظهرها، ترفض أن تحتاجهم، أو تطلب منهم، ثم بالتدريج تتوقف عن العطاء بذات الهمة والحماسة، ثم في يوم من الأيام تكتشف أنها تحوّلت لآلة تمنح من حولها ولا تأخذ شيئًا. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق