كاملة شمسي والظلال المحترقة.. رحلة امرأة خاضت كل الحروب !

الكاتبة البريطانية/ الباكستانية “كاملة شمسي” قدمت في روايتها الوحيدة التي تمت ترجمتها إلى العربية “الظلال المحترقة” بانوراما لأهم حروب العالم، عرفتنا على الآم البشر العاديين، الذين يتم سحقهم تحت الأقدام لأهداف ومصالح لا يفقهون عنها شيئاً..
واستخدمت في ذلك شخصية رئيسية هي “هيروكو” اليابانية التي بدأت بها الحكاية وانتهت أيضاً، وعاش معها القارئ العديد من المراحل والمحطات الحزينة منها والسعيدة، في رواية ممتعة قوية وتسحق القراءة بكل تأكيد.
كاملة شمسي والظلال المحترقة.. رحلة امرأة خاضت كل الحروب !

لماذا امرأة

تحفل الرواية بالعديد من الشخصيات، لكن يمكن اعتبار “هيروكو” هي البطلة الأساسية للرواية، فيأتي هنا السؤال لماذا البطلة امرأة؟
اعتقد أن رغبة الكاتبة في تضمين روايتها للعديد من الصراعات في أماكن مختلفة من العالم جعل من الضروري أن تكون بطلتها امرأة، فالأنثى هي الأقدر على مد جذورها في الأرض الغريبة، وإيجاد الاستقرار بعيداً عن وطنها وإهدائه لعائلتها. وقد كانت هيروكو مناسبة تماماً لهذا الدور، بقدرتها على تعلم اللغات وتعليمها بسهولة، فأصبحت مواطنة عالمية دون جهد.

رحلة هيروكو

تتضمن الرواية محطات رئيسية في حياة هيروكو نتناولها هنا ببعض الاختصار لنتعرف على رحلتها التي تشبه الاوديسة، ولكن لم تكن مثل اوديسوس تحلم بالعودة لوطنها، بل كان كل هدفها ان تجد محلاً للاستقرار بعيداً عن الجنون العالمي بالأسلحة النووية والقتل والتدمير.
ناجازكي: تبدأ الروية بهيروكو الشابة في نجازاكي في نهايات الحرب العالمية الثانية والتي تجمعها قصة حب بكونراد الألماني الشاب الذي يحيا في مزرعة أخته “إليزابيث”، ولكن تسقط القنبلة الذرية لتنهي الحياة كما عرفتها، وتفقد كل من كونراد وأبيها الذي شاهدته يموت أمامها وهو أقرب للزواحف منه للبشر بعد ما شوهته القنبلة.
هذا الفصل لم تتعد صفحاته العشرين صفحة، ولكنه كان البداية الموفقة، فبعد تجربة القنبلة النووية تغير كل من العالم وحياة هيروكو بلا رجعة.
دلهي: صارت الحياة لا تطاق بالنسبة لهيروكو في نجازاكي، وقد تركت القنبلة جروحاً في كل من قلبها وجسدها، لذلك تركت اليابان إلى الهند في رحلة لشفاء روحها، ولكن غيرت مجرى حياتها للأبد، هناك التقت إليزي أخت كونراد التي تعيش زواج مملاً، وتتعرف كذلك على “سجاد”، الشاب الذي التقى به كونراد في إحدى زياراته للهند، وعرفه على زوج أخته ورشحه ليعمل معه، ليصبح كما لو أنه أحد أفراد العائلة وتجمعه علاقة قوية بكل من الزوج والابن هنري.
يبدو الأمر كما لو أن كونراد كان وجوده في حياة كل من هيروكو وسجاد فقط ليجمعهما سوياً في يوم من الأيام، لتبدأ قصة حب جديدة في حياتها، ولكن أيضاً في فترة عصيبة من تاريخ الهند، حيث أن وقت رحيل بريطانيا عن الأخيرة، ولكن أيضاً بدأ تقسيمها وفقا لعوامل ديموغرافية دينية، لتظهر باكستان المسلمة، وقد كان من ضحايا هذا التقسيم عام 1947 فقط ما بين عشرة إلى عشرين مليون نسمة.
وقد حاول الزوجان الحديثان الهروب من هذا الصراع المرير، فرحلا إلى تركيا في رحلة شهر عسل مهداة من الزوجية جيمس وإليزابيث، ولكن عندما قررا العودة وجد سجاد أن الهند أغلقت أبوابها في وجه.
خمس روايات رائعة من أيقونات الأدب العربي! لا تفوتها
باكستان: تقفز الاحداث هنا 36 سنة، لتصبح هيروكو امرأة في منتصف العمر وأماً لصبي مراهق، وتعمل لسنوات كمعلمة، وتحيا مع سجاد في باكستان المكان الوحيد الذي فتح لهما ذراعيه. ونتعرف كيف مدت هي وزجها جذورهما في الأرض الجديدة، وشعورهما طوال الوقت أنهما مهاجرين غرباء، هي بملامحها اليابانية، ووسم القنبلة التي ينظر لها الجميع بعيونه، وابنها ذو الملامح المختلطة الذي يجعل الجميع ينظر له مرة واثنين حتى يستطيع أن يحدد من أي عرق هو.
الجزء من الرواية الذي دارت أحداثه في باكستان هو الأطول والأكثر إيلاماً في الرواية، حيث نقترب من أزمة هوية كل من أفراد العائلة، وينتهي كذلك بطريقة مأساوية.
نيوريوك – أفغانستان: انتهت أحداث الجزء الخاص بباكستان من الرواية في ثمانينات القرن العشرين، ليبدأ الجزء التالي في نيويورك وأفغانستان في بداية الألفيات، ولكن الكاتبة ملأت الفراغ بين الحقبتين بالكثير من الفلاش باك والتفاصيل..
لنعرف الكثير من الصراع الهندي الباكستاني الذي كاد ينتهي بإلقاء قنبلة ذرية جديدة، وهو السبب الوحيد الذي دفع هيروكو لترك باكستان لتبدأ بناء جذور جديدة وهي في شيخوختها، فحياتها لا تحتمل مأساة نووية أخرى بعد ناجازاكي.
ولكن حتى نيويورك ليست بعيدةً عن المصائب التي كما لو أنها تطارد هيروكو شخصياً! فيسقط البرجين، وابنها يعمل مع ابن إليزابيث في شركة أمنية في أفغانستان، لتجد نفسها طرفاً في الصراع الأمريكي الأفغانستاني رغماً عنها.
4 كتب أدبية تطيـر بك إلى عوالم ساحــرة

شخصيات تبحث عن هوية

أغلب شخصيات الرواية تجمع بين أكثر من جنسية وعرق، ربما إشارة من الكاتبة لأن أزمة الحروب والقتال هي عالمية وليست خاصة بجنس معين أو أصحاب سياسة معينة، العيب في البشر أنفسهم وليس في دولة بحد ذاتها.
هيروكو: يابانية عاشت في نجازاكي والهند وباكستان واليابان، تزوجت من هندي، وأنجبت ابناً باكستانياً وعاشت شيخوختها في الولايات المتحدة الامريكية.
كونراد: الألماني الذي لم يظهر سوى في فصل واحد ولكن تأثيره ظلل الرواية بأكملها. زار الهند وزيارته غيرت في تاريخ العائلة، واستقر حتى مقتله في اليابان، ونُبذ هناك بسبب جنسيته في الأيام الأخيرة من الحرب.
إليزابيث برتون/ إليزي فايس: شخصية مركبة ومعقدة كباقي الشخصيات. تعرف عليها القارئ في البداية كسيدة نصف إنجليزية نصف ألمانية، تعيش في الهند حياة لايدي إنجليزية حقيقة، ولكن من داخلها ترفض العلاقة التعيسة التي تجمعها بزوجها، لتقرر أن خروج إنجلترا من الهند إشارة إلى انتهاء زواجها، لتهاجر إلى الولايات المتحدة وتصبح إليزي فايس المرأة البوهيمية الجريئة القوية، والصديقة المقربة من هيروكو مهما بعدت بينهم المسافات ومأواها في النهاية.
سجاد: الهندي الذي حُرم من وطنه ومدينته المفضلة، ولكن حاول التأقلم مع حياته الجديدة.
رضا: باكستاني هندي ياباني، ورث قدرة أمه على تعلم اللغات بسهولة، لذلك أصبح مواطناً عالمياً، لكن ملامحه المختلفة وقدراته لم تساعده أو تحميه في العالم، بل ورطته في العديد من الكوارث، وكانت محركاً رئيسياً لأحداث النصف الثاني من الرواية.
هاري/ هنري بروتون: الطفل صديق سجاد وابن إليزابيث، والذي بدأ حياته كبريطاني أصيل يدرس في إحدى المدراس الداخلية التي أرسله إليها والده. ولكن بعد طلاق والديه أصبح مواطناً امريكياً حتى النخاع، ولكن ظلت ميوله للمجتمع الهندي الذي عاش به طفولته كامنة في نفسه، ليعاني منها خصوصاً مع عمله في المخابرات الامريكية.
لينك المقال الاصلي : اضغط هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق