الأخوان جريم.. نبع الخيال الذي لا ينضب


سندريلا وذات الرداء الأحمر وسنووايت والأقزام السبعة.. قصص لطالما سمعناها ونحن صغار، ثم رأيناها في أفلام كارتونية من إنتاج شركة ديزني، وترسخت بداخلنا بمبادئها البسيطة وأفكارها التي تفرّق بوضوح بين الخير والشر.
هذه القصص في الحقيقة من تجميع وتنقيح الأخوين جريم Brothers Grimm، وهما أخوان ألمانيان، تنقلا في أنحاء ألمانيا واستمعا لكل القصص الشعبية التي تتدوالها الأمهات، ثم نقحاها ونشراها في كتاب حقق انتشارًا عظيمًا في وقته، وعرفه العالم باسم “Grimm’s Fairy Tale Classics” لأول مرة، والذي لازالت الأمهات تقرؤه لأطفالها حتى اليوم.
ولكن مشكلة هذه القصص أنها كما قلت في البداية تتناول العالم بطريقة مسطحة للغاية، فقط الأبيض والأسود، فالشخصيات طيبة أو شريرة، وهو ما استغلته هوليوود في إعادة إنتاج هذه القصص مرة أخرى لكن مع تناول مختلف وإضفاء النضج على الشخصيات، بل التعاطف مع الجانب الشرير، كذلك لأن الحياة الحقيقية يغلب عليها اللون الرمادي.
ونتناول اليوم فيلمين من هذا الطراز، تم إنتاجهما عام 2014، حققا إيرادات عالية وشارك في بطولتهما اثنتان من أهم نجمات هوليوود، بل وترشّحت كلتاهما لجوائز الأوسكار.
1
الأميرة النائمة في القلعة في انتظار أميرها ليقبلها ويوقظها من نومها الطويل، بعد أن لعنتها الساحرة الشريرة. هذا الجانب الذي نعرفه من القصة، ولكن لم نعرف: لماذا ألقت الساحرة لعنتها على هذه الرضيعة؟ وماهو مصيرها بعد استيقاظ الأميرة وانتهاء القصة كما عرفناها؟
2
حياة هذه الساحرة هي محور أحداث هذا الفيلم المميز. تبدأ القصة بالفتاة الصغيرة “ميلفسانت”، التي تحكم أرضًا مجاورة لأرض البشر، وتشبه الجنيات بجناحيها الكبيرين والبراءة التي تشع من عينيها، إلى أن تقابل البشري “ستيفان” الذي يذهب إلى أرضها لسرقة بعض الذهب، لكن يعود بقلبها بدلًا منه.
تجمع الصداقة بين الطفلين وتمر السنوات ونتعرف على ميلفسانت مرة أخرى وهي امرأة شابة، وقد انقطعت زيارات “ستيفان” لها، بعدما انشغل عنها بمحاولة الوصول للسلطة واسترضاء الملك، نفس الملك الذي يحاول احتلال الأرض التي تحكمها ميلفسانت، لكن يفشل في ذلك ويُهان أمام جنوده من الأخيرة ويقرر أن من يقتلها سوف يكافئه بالزواج من ابنته وحكم مملكته من بعده.
قد يتوقع البعض أن ستيفان سوف يذهب ليحذر صديقته السابقة من المكيدة التي تحاك لها، ولكن على العكس، يستغل المشاعر القديمة التي جمعت بينهما ليقطع أجنحتها أثناء نومها ويذهب بها إلى الملك، وبالفعل يتزوج الأميرة وينجب طفلة صغيرة.
على الجانب الآخر، تستيقظ ميلفسانت من نومها وهي فاقدة أهم ما يميزها، جناحيها، رمز قوتها وحريتها، وبراءة قلبها، بعد خيانة حبيبها، وتتحول في لحظات من الجنية الرقيقة إلى الساحرة الشريرة التي تبحث عن الانتقام.
وتقرر أن تلعن طفلة حبيبها السابق، بأن تظل سعيدة ومحبوبة حتى تتم السادسة عشر من عمرها لتنام بعد ذلك للأبد. وكما في القصة الأصلية، يرسل ستيفان ابنته إلى الغابة مع الساحرات الطيبات الثلاث ليعتنوا بها حتى تنتهي اللعنة، ويبدأ في إعداد العدة للحرب القادمة بينه وبين ميلفسانت، ولكن الأخيرة تهمل هذه الحرب وتتابع الفتاة الصغيرة عن قرب.
3
خلال سنوات طفولة وصبا الأميرة الصغيرة، تجمع بينها وبين ميلفسانت علاقة قوية، فبدلًا من أن تحاول الساحرة الشريرة إيذاء الطفلة، تقوم على حمايتها من الأخطار المختلفة، وتصبح لها الجنية الحارسة، وتحاول بالفعل أن تبطل اللعنة لكن لاتقدر على ذلك.
ولكن يتعرض العالم الجميل الذي عاشا فيه معًا للدمار، عندما اقترب عمر الفتاة من السادسة عشر، وتعلم من هي ميلفسانت، وتعود إلى والدها الذي تعتقد أنه ينتظرها على أحر من الجمر، لكن على العكس؛ تجده منشغلًا عنها بالتدبير لمعركته القادمة مع ميلفسانت، فحماية ابنته لم تكن الغاية منذ البداية، بل كانت تدمير حبيته التي تحولت إلى عدوة لا يستهان بها.
وعندما يحين وقت المعركة وتدخل الأميرة الصغيرة في الغيبوبة، كما هو مقدر لها، يتضح من هو الحبيب الحقيقي ومن المصطنع، ولا تستيقظ إلا على قبلة وداع من ميلفسانت قبل بدء معركتها الأخيرة، لتكون لها خير معين ضد والدها الذي لا يعرف معنى الأبوة.
المعالجة لهذا الفيلم مختلفة تمامًا عما اعتدناه في القصة الأصلية، فالساحرة الشريرة لم تولد هكذا، بل الخيانة وقسوة قلب المحيطين بها هما ما غيّراها لتستطيع التعامل بنفس الطريقة. وقبلة الحب الحقيقي التي تهزم اللعنة، لايجب أن تكون من حبيب، بل يمكن أن يتخذ الحب أشكالًا مختلفة، مثل العلاقة المميزة التي جمعت بين الأميرة الصغيرة وميلفسانت؛ فالشر والخير والحب كلها أشياء متغيرة، ولا تحكمها معايير ثابتة، مثلما صورت لنا قصص الأخوين جريم.
الفيلم من بطولة أنجلينا جولي، في أداء مميز لدور الساحرة الشريرة والجنية الطيبة.
Into the Woods
5
مجرد وضع اسم النجمة “ميريل إستريب” على أحد الأفلام، يعني أنه فيلم يستحق المشاهدة. وهذه المرة، كان اختيارها مختلفًا بالنسبة لما اعتدناه عنها من أفلام جادة أو عاطفية؛ فقد دخلت عالم الخيال من أوسع أبوابه، مع معالجة حديثة لمجموعة من قصص الأخوين جريم في فيلم غنائي من إنتاج ديزني.
يبدأ الفيلم بأغنية بعنوان أتمنى، بالطبع كل البشر لديهم أمنياتهم المختلفة، وهذا ينطبق على أبطال الفيلم الذي يبدأ كل منهم يومه بأمنية بسيطة وهو يعتقد أن في تحقق هذه الأمنية سعادته، ولكن الموضوع ليس بهذه البساطة؛ وهذا ما نعرفه خلال الأحداث.
6
فعلى سبيل المثال: الخباز المتواضع الحال وزوجته يتمنيان أن يصبح لديهما طفل، ولكن يعلمان أن هناك لعنة ملقاة على الزوج من ساحرة القرية، وحتى تحل هذه اللعنة؛ يجب أن يحضرا لها مجموعة من الأشياء الغربية والتي تجعلهما يقابلا سندريلا وجاك بطلة قصة جاك والفاصوليا السحرية وذات الرداء الأحمر ورابونزل الفتاة المحبوسة في البرج ذات الشعر الأشقر الطويل، وبالفعل يجمعان بعد مغامرة طويلة ما يريدان لتعود الساحرة جميلة كما كانت من قبل ويرزق الخباز وزوجته بطفل صغير.
وخلال هذا، يساعدان عن طريق الصدفة من قابلاه من أبطال ليحققوا ما تمنوه، فسندريلا تخلصت من زوجة أبيها الشريرة وقابلت أميرها وتزوجته، وجاك سرق ذهب العملاق وأصبح ثريًا هو والدته واسترجع بقرته المفضلة، ذات الرداء تخلصت من الذئب، ورابونزل تحررت من الساحرة التي حبستها في البرج وقابلت حبيبها.
 وعند هذه النقطة، كانت القصص تنتهي في المعتاد ليعيش الأبطال في حياة سعيدة لآخر العمر، ولكن الفيلم يخرج عن المألوف ليكمل القصة كما يحدث في الحياة الحقيقية، فلا توجد نهايات سعيدة ولا تعيسة في الحياة، فهي مستمرة في فصول متوالية حتى يأتي الموت، والأهم أنه ليس تحقق ما يتمناه المرء يعني حصوله على السعادة الأبدية؛ فقد يتمنى شيئًا ليس في مصلحته أو يعطيه البهجة لبعض الوقت ثم يفقد معناه، أو بمنتهى السهولة تصبح له أمنية أخرى أهم.
فبعد أن يلاقي كل الأبطال نهايتهم السعيدة المنتظرة، تدمر هذه اللحظة هزة في الأرض تجعلهم يتفرقون هربًا من شيء لا يعرفونه، ويظللهم الخوف حتى يعرفوا أن السبب هو زوجة العملاق التي قتل زوجها الطفل جاك، عندما كان يهرب بالذهب المسروق، وتقرر أن تنزل إلى الأرض لتحصل على انتقامها، وتنقلب الأحداث هنا رأسًا على عقب.
فسندريلا تكتشف أن أميرها المحبوب رجل خائن. أما عن زوجة الخباز، فبعد تحقق أمنيتها بالحصول على طفل، تفقد حياتها. والساحرة التي كانت تتمنى أن تصبح جميلة حتى لا تخجل منها رابونزل التي كانت تحبسها وتربيها كابنتها في ذات الوقت، فقدتها للأبد ولم يحقق لها الجمال ما تتمناه. أما عن جاك، الذي سرق الذهب حتى يسعد والدته، التي تمنت دومًا الثراء، فيفقدها عندما تموت بدون أن يتمكن من وداعها.
ولكن هل هذا يعني أن كل النهايات تعيسة؟ أو أن الحياة في مجملها لا تحمل سوى الهم والحزن؟
أيضًا الإجابة لا. فلا الحياة تعني فرحًا دائمًا ولا حزنًا بلا نهاية، بل هي تتغير في كل لحظة بين هذا وذاك. فالخبّاز بعد فقدانه لزوجته، يقرر أن يربي ابنهما وحده، وتبني ذات الرداء الأحمر التي فقدت جدتها وجاك الذي أصبح يتيمًا، وتقرر سندريلا أن تترك الأمير الوسيم بعد أن جربت الكابوس في منزل زوجة والدتها والحلم في قصره، فهي تريد أن تعيش الحياة الحقيقية هذه المرة ومساعدة الخباز في تربية هؤلاء الأطفال.
في النهاية، الفيلم لوحة فنية متكاملة تجمع ما بين الموسيقى الرائعة وأداء تمثيلي متميز وحوار وأفكار فلسفية على بساطته، وهو مرشح لثلاث جوائز أوسكار، منها جائزة أفضل ممثلة عن دور مساعد لميريل ستريب.
للمقال الاصلي: الأخوان جريم.. نبع الخيال الذي لا ينضب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق