مر الحب ومرارة الوحدة



تتميز الروائية الأمريكية دانيال ستيل بقدرتها على أخذ مواقف عاديه أو قطع من حياة شخص، مثل أي منا والتقاط التفاصيل وجعلها مميزة تصلح للروايات، لذلك خلال قراءتي أيًا من رواياتها لا أنتظر مفاجأة تقلب الأمور رأسًا على عقب، بل الأحداث تجرفني بوقعها الهادئ حتى أجد التحولات الكبيرة التي تحدث لحياة الأبطال حدثت بالفعل، ولكن كما يحدث في حياة كل منا عن طريق خطوات صغيرة الواحدة تلو الأخرى.

ورواية "هموم القلب" أو "matters of heart" ينطبق عليها هذا بشدة، فـ"هوب" بطلة الرواية امرأة في منتصف العمر انفصلت عن زوجها بعد أن طلقها بسبب مرضه، وفقدت ابنتها في مرض مفاجئ، لتجد نفسها وهي في الأربعين من عمرها وحيدة وتحمل من الهموم ما لا طاقة لها به.

تحيا راضية عن نفسها قدر الإمكان، وحيدة ومتلائمة مع حياتها الجديدة، حتى تقابل في إحدى جلسات التصوير الكاتب الشهير "فين" الذي يظهر إعجابه الشديد بها، حتى يترك إنجلترا في رحلة سريعة بعد مقابلتها بيومين ويذهب خلفها إلى الولايات المتحدة. منذ البداية شعرت "هوب" -وأنا معها- أن ما يحدث غير حقيقي، الحياة لا تعطي بهذه الطريقة، لذلك تأخذ حذرها ولا تترك نفسها لتيار مشاعره الجارف، ولكن يظهر لها اللطف والحنان حتى تبدأ في الوقوع في حبه بالتدريج.

وتبدأ الأمور في الاستقرار، وتظهر بعض العيوب في شخصيته التي تحاول "هوب" أن تتعايش معها، مثل غيرته الشديدة وغير المنطقية عليها في كل وقت، ورغبته في الانعزال بها عن العالم بأكمله ورفضه للتواصل مع أي من أصدقائها، حتى يقنعها في أن تذهب معه إلى قصر أجداده الذي استعاده في آيرلندا، ثم يبدأ في الضغط عليها للزواج سريعًا وإنجاب الأطفال، بحجة أنها كبيرة في العمر، ثم بالحيلة ينجح في جعلها تحمل، وحين تفقد هذا الطفل يلومها على ذلك بكل قسوة متناسيًا ما فعله من قبل، ثم تبدأ في اكتشاف حقائق خبأها عنها، بل كذبات في الحقيقة، وكلما واجهته يسرد عليها الحجج الواهية.

كنت أقرأ وأنا أشتعل غضبًا بالفعل، متناسية أنها رواية، لأن -للأسف- العديد من النساء يغفرن مثل ما فعله بطل الرواية وأكثر لأسباب كثيرة.

أما عن السبب الذي جعل "هوب" تحتمل العيش بجوار رجل مخادع يحاول أن يسلبها مالها، سايكوباث، يستخدم الحيل النفسية للسيطرة عليها، هو الخوف من الوحدة، وهو الشعور الذي استغله بمنتهى النجاح، فكلما حاولت الهروب من براثنه ذكّرها بأنها وحيدة، حتى زوجها السابق توفي ولم يعد لها سواه في الحياة.

الكثيرات منا يفكرن بنفس الأسلوب، لذلك ينغمسن في علاقات هن أول من يعلم أنها فاشلة، بل قد يتحملن في سبيل هذه العلاقة الكثير من الصعاب والضغوط من الطرف الآخر أو المجتمع، ولكن يضحين بكل شيء في سبيل أن لا يكنّ وحيدات مرة أخرى.

أعلم أن الوحدة شعور مرير، وقد وطّنت نفسي لسنوات طويلة أنها مصيري الوحيد وتعودت عليها وألفتها، فقد كانت خيارًا أفضل بالنسبة إليّ من وجودي مع شخص للأسباب الخطأ.

كما قلت في مقال سابق أن حب الشخص لنفسه ليس أنانية بل واجب وحق علينا، أنا أعيش مع نفسي طوال الوقت وبحاجة لأن أحترم احتياجاتي، أن أشعر بالسعادة والرضا في أي علاقة أدخلها، لا يوجد أي سبب يدفعني أن أضحي بهدوء بالي من أجل شخص أو علاقة أو غيرها من الأسباب.

ومثلما يقولون "فاقد الشيء لا يعطيه"، فكيف يفترض أن نعطي الحب لكل من حولنا، في حين أننا نفتقد حتى حب أنفسنا؟!
لينك المقال الاصلي:  مر الحب ومرارة الوحدة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق