مسلسل تاريخي مُسئ أم مجرد مسلسل سئ آخر؟

لأعمال الفنية المبنية على أحداث تاريخية صفقة مغرية جداً لكل الأطراف، فالمؤلف يجد أمامه البنية الأساسية للقصة فقط فى حاجة لبعض التعديلات، والمنتج يضمن الدعاية للعمل من قبل البدء فيه خصوصاً لو كان هذا الجزء من التاريخ مشوق، والمخرج يسعد بأن يزين سجله أو سيرته الذاتيه بعمل تاريخى  يدل على  عمله الجاد فى مجال الفن ..!
أما المُشاهد فيقبل على العمل لعدة أسباب، منها حب الإستطلاع لمعرفة أحداث فترة تاريخية أو تفاصيل كانت مبهمة عليه أو على الأقل لمشاهدة عمل فنى أخر من ضمن أعمال كثيرة..

هل تصلح الأعمال الفنية لنقل التاريخ ؟

886
التاريخ هو الأثر المنقول عن السابقين وبالتالى هو خاضع للتحريف دوماً حسب رغبات واهواء من يكتبه ،ويقولون أن التاريخ يكتبه المنتصرون ولذلك لكى يدرس شخص ما التاريخ يجب أن يدرسه من جوانب متعددة ويجب أن يراعى الأقوال المتضاربة وينسقها ليعرف من الذى على حق ومن الذى على باطل ليصل فى النهاية إلى حقيقة ما حدث بالفعل ويصلح لأن يُطلق عليه تاريخ ..
فهل القائمين على الملسلسلات التاريخيه يقومون بذلك من جمع وفحص وترتيب للأحداث من أكثر من مصدر، أم أنهم يميلون فقط للمصدر الأكثر تشويقاً الذى سوف يعمل على جذب أكبر عدد من الجماهير دون العناية بصحة هذه الأحداث التاريخية التى يسردوها ..
والسؤال الأهم ،هل يتعامل المشاهد مع هذه المسلسلات على إنها أعمال فنية فقط ؟ أم يتعامل معاها على إنها مصدر من مصادر التاريخ ؟
فإن كان يتعامل معها على إنها عمل فنى فهذا يعنى أنه سوف يتم تقييم المسلسل أو الفيلم على إنه عمل سئ أو جيد من حيث التمثيل والقصة والإخراج وغيرها من طرق التقييم ..
ولكن إن كان يتم التعامل مع هذه الأعمال الفنية على أساس انها من مصدر نستقى منه التاريخ خصوصاً فى ظل تلاشى عادة القراءة نكون أمام كارثة حقيقية ..
ولتوضيح عمق المشكلة التى أتحدث معها سوف أعرض مثالين، ولكن هذا لايمنع أن هناك أعمال من مسلسلات تاريخية أخرى جيدة بالفعل و جديرة بحمل أسم مسلسل تاريخى ..

مسلسل حريم السلطان

6
مسلسل حريم السلطان من أعلى المسلسلات التركية مشاهدة ووصل إلى أربعة أجزاء، وتقوم أحداث المسلسل على عرض قصة حياة السلطان سليمان القانونى بالأضافة إلى الأحداث السرية التى تحدث بين جنبات قصره وبين الحريم فيه ..
نرى السلطان على مر الحلقات يتفرغ للحب والمشاكل بين هويام الجارية وبين أمه وزوجته وغيرها من الدسائس، فنتسائل من أين أتى بالوقت الكافى إذن للقيام بكل تلك المهام التى يذكرها التاريخ؟ ..
ومتى وجد الوقت ليجعل الدولة الإسلامية فى أقصى إتساع لها بسبب فتوحاته المتعددة التى وصلت من بلجراد إلى ليبيا ؟
هذا التسطيح لجعل المسلسل مشوَق هو الكارثة بعينها، لأن الكثير من المشاهدين والمشاهدات لن يفكروا فى البحث عن معلومات عن السلطان سليمان ليطابقوا بين الحقيقة والخيال، بل سيأخذوا المسلسل على انه مصدر تاريخى يعتد به، وتصبح صورة السلطان فى أذهانهم هو حبيب هويام الذى أعدم صديقه إبراهيم بسبب الدسائس وليس بسبب أن إبراهيم باشا كان ينتوى إقامة دولة إسلامية أخرى فى الشرق ..

مسلسل سرايا عابدين

intro
وها هو مثال حديث و بالفعل مثير للخيبة، فمسلسل يحتوى على هذا الكم من النجوم وهذا الإنتاج الكبير وحسن إختيار الأزياء الملائمة للفترة التاريخية يفشل بسبب معالجة خاطئة لفترة تاريخية مهمة من التاريخ المصرى ..
فمصر الحديثة منذ محمد على وحتى الخديوي إسماعيل فترة خصبة جداً بالتغيرات والأحداث، ومن المؤكد أن أى شخص يريد الكتابة عن الخديوي إسماعيل سوف يجد من المادة التاريخية المثيرة أكثر بكثير من مشاكل زوجات الخديوي ومن يحب ومن يعشق ومن يترك ..
الاسوأ من أنه مسلسل تاريخى مسئ أنه ايضاً مسلسل سئ، فحتى من حاول أن يشاهده من قبيل أنه عمل فنى مثل سواه يجد أنه أمام مسلسل ممل وغير مترابط الأحداث وممتلئ بالكثير من التفريعات التى لا تؤدى إلى شئ..
و غير الأخطاء التاريخية مثل عدم بناء سرايا عابدين التى تدور بها الأحداث فى الوقت الذى تدور فيه الأحداث فهناك أخطاء غير منطقية مثل أن الخديوي الذى كان يحتفل بعيد ميلاده الثلاثين أو بعد ذلك بسنة أو سنتين يكتشف فى الحلقة الأخيرة أنه لديه ولد فى العشرين من العمر !!
ولحل هذه المشكلة من وجهة نظرى المتواضعة يوجد حل من اثنين ،الاول أن يكون هناك لجنة مختصة فى الجهات الرقابية بحيث تحدد التجاوزات التاريخية وتعدلها بحيث لا يخرج العمل للجمهور إلا وهو بالفعل يصلح لأن يكون معبراً عن التاريخ ..
والحل الثانى أن يتم إنتاج مجموعة من الأفلام الوثائقية التاريخية لكن بشكل مشوق بحيث تجذب الجماهير وتُعرض فى أوقات تكون مناسبة بحيث تحصل على نسب مشاهدة معقولة ..
للمقال الاصلي: اضغط هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق