شكري سرحان ذو المائة وخمسون وجه





على الرغم من أن السينما المصرية تتبعت خطى السينما العالمية وبدأت بعدها مباشرة عام 1895، إلا أن خطواتها بعد ذلك كانت صغيرة للغاية، وأول دفعات المعهد العالي للفنون المسرحية لم يتم تخريجها إلى عام 1947، وكانت دفعة مميزة للغاية، سواء للممثلين الذين قدمتهم للسينما والمسرح، او لأن الالتحاق بها كان مغامرة حقيقية، قد يخسر الراغب بها أقاربه او عمله او احترامه في المجتمع، ولكن نداهة السينما عندما تنادي، الموهوبون بالفعل لا يستطيعون المقاومة.
 ومن خريجي هذه الدفعة الفنان شكري سرحان، الذي طرده والده بسبب رغبته في احتراف التمثيل، وسكن في أحد المساجد لبعض الوقت حتى أرجعه والده للمنزل، ورضخ لرغبته في الالتحاق بالمعهد مع أخيه الفنان صلاح سرحان، وبعد تخرجه بدأ عمله في أدوار صغيرة، ليبدأ يجذب الانظار بعد فيلم لهاليبو مع نعيمة عاكف، ولكن بدايته الحقيقة كانت في فيلم "ابن النيل" الذي اخرجه يوسف شاهين، وبعدها اخذ ادوار رئيسية في العديد  من الأفلام ، واشترك في مائة وخمسون فيلما خلال مسيرة بدأت منذ عام 1945 في فيلم جنة ونار، وحتى فيلم الجبلاوي عام 1991.

قائمة أفضل فيلم مصري:
عام 1996 قام النقاد المصريين باختيار قائمة أفضل مائة فيلم مصري وذلك احتفالا بمرور 100 عام على السينما المصرية، وقد ظهر بها اشتراك شكري سرحان بخمسة عشر فيلماً ليكون على رأس الممثلين الأكثر حضوراً، وتم تكريمه على مشواره الفني الطويل في مهرجان القاهرة السينمائي لذلك العام واختياره كأفضل ممثل مصري في القرن العشرين.
وسنتعرف هنا على عشرة وجوه مختلفة ظهر بها شكري سرحان في قائمة اهم 100 فيلم سينمائي مصري، لنميز لمسته الخاصة التي اضفاها على هذه الاعمال وجعلها مختلفة.
شباب امرأة:

شباب امرأة الفيلم السادس في قائمة 100 فيلم مصري، والذي اشترك في مهرجان كان السينمائي عام 1956، وهومن بطولة تحية كاريوكا، وشادية وإخراج صلاح أبو سيف.
ويقوم شكري سرحان فيه بدور إمام الشاب القروي الذي ذهب إلى القاهرة ليكمل تعليمه، ولكن يقع في براثن صاحبة المنزل الذي يقطنه، ليبدأ معها علاقة عاطفية كادت ان تفسد حياته، نتعرف هنا على وجه شكري سرحان الطالب الساذج، الذي يقع في حب برئ مع ابنة أحد معارفه، ولكن تنفتح عيناه على عالم جديد حين يتعرف على شفاعات، فيختل توازنه، ويصبح مثل الذبابة في شباك العنكبوت، لا يستطيع الفكاك حتى لو أراد.


البوسطجي:

قدم شكري سرحان في فيلم البوسطجي أحد أعظم ادواره والتي تستحق التخليد بالفعل، فهو الرجل القاهري الذي يتم إرساله إلى احدى قرى الصعيد النائية، يشعر بالوحدة والملل والاهم الغربة في مجتمعه الجديد الذي ينبذه افراده ويعاملونه بخبث وترقب، وبعد أكثر من مشادة بينه وبين عمدة القرية وعامل مكتب البريد، يبدأ في فتح الرسائل التي تصل إلى المكتب انتقاماً من اهلها.
ليتابع قصة الحب بين ابنة القرية جميلة زيزي مصطفى واخو صديقتها من قرية أخرى، خليل سيف عبد الرحمن ولكن يقوم بإحراق احد الرسائل عن طريق الخطأ، تؤدي إلى فقدان خط الاتصال بين الحبيبان في الوقت الذي تكون به الفتاة في اشد الحاجة إلي حبيبها بسبب حملها منه سفاحاً، وعندما يعلم ابيها بفعلتها يقوم بقتلها، ليشعر عباس إنه القاتل الحقيقي للفتاة ويمشي خلف والدها الذي يحمل جثتها في مشهد ايقوني خالد.
الفيلم من إخراج حسين كمال، وإنتاج عام 1968، وبطولة سهير المرشدي وصلاح منصور، ومقتبس عن رواية للكاتب المصري يحيي حقي، وجاء في المركز الثاني عشر في القائمة.
وبالإضافة للأداء الرائع لكل من شكري سرحان وصلاح منصور، فإن الفيلم يقدم صورة للقرية المصرية بما تحمل من تناقضات، فالأب الذي يحلم بان تكمل ابنته تعليمها ويخالف التقاليد ويرسلها للمدينة، في ذات الوقت يعتدي على خادمته ويتسبب في حملها ثم قتلها دون أي شعور بتأنيب الضمير، كما لو إنه السير الطبيعي للأمور، وعندما تدور عليه الدوائر يقرر ان يتناسى تفكيره المتفتح ويقتل ابنته دون تردد.


رد قلبي:

جاء في المركز الثالث عشر من القائمة فيلم رد قلبي، عن قصة الكاتب المصري يوسف السباعي، والذي تم تصنيفه كأحد أجمل الأفلام عن ثورة 23 يوليو، وشاركته بطولة الفيلم الجميلة مريم فخر الدين، وصلاح ذو الفقار، واحمد مظهر في ثاني ادواره، وهند رستم، وهو من إخراج عز الدين ذو الفقار ومن انتاج عام 1957.
ويقوم سرحان فيه بدور علي الفتي الفقير الذي يعشق ابنة الأمير إنجي في علاقة حب مستحيل، وحتى يقلل من الحاجز الطبقي بينهما يصبح ضابطاً في الجيش، ولكن ذلك لم يحدث أي تغيير بل فرقت بينهما الظروف، حتى يلتقيا بعد ثورة 23 يوليو، وعلى الرغم من الاعتراض على خيالية القصة التي يدور حولها الفيلم، إلا ان رومانسية الأداء جعلت من الثنائي علي وانجي من ايقونات قصص الحب السينمائية المصرية، وأبرز شكري سرحان الشجن في علاقة الحب المكتوب له الفشل بطريقة مميزة.


اللص والكلاب:

اللص والكلاب فيلم اخر مقتبس عن رواية لكن هذه المرة لنجيب محفوظ في واحدة من أشهر رواياته، والفيلم من بطولة كمال الشناوي وشادية، وإخراج كمال الشيخ ومن انتاج 1962، وفي المركز الخامس عشر من القائمة.
ويقوم شكري سرحان بدور سعيد مهران الذي يدخل السجن بعد وشاية عشيق زوجته به، وهنا يلتقي برؤوف علوان المثقف الذي يملأ رأسه بالشعارات عن المجتمع المثالي، وكيف يريد ان يغيره، وحين يخرج من السجن ليبدأ من جديد يجد ان زوجته تخونه وابنته لا تعرفه فلم تره من قبل، فيلجأ لصديقه السابق رؤوف علوان فلا يجد منه سوى كل تنكر، وحين يشعر ان المجتمع يلفظه يقرر ان يغيره بيده ويقتل الكلاب من وجهة نظره، لكن كل مرة يحاول ان يتخلص من احد اعدائه يموت بدلاً منه شخصاً برئ، ولا يجد من يقف بجواره في محنته سوى بائعة الهوى نور، لكن المجتمع الذي اهدف إلى تطهيره ينقلب عليه ويصبح هدف الشرطة رقم 1.


الزوجة الثانية:

الزوجة الثانية فيلم من أعماق القرية المصرية، وشارك شكري سرحان بطولته للمرة الثانية صلاح منصور في دور العمدة عتمان، وهو من اخراج صلاح أبو سيف، وبطولة سعاد حسني، وسناء جميل وإنتاج عام 1967، وفي المركز السادس عشر في القائمة.
ويقوم شكري سرحان بدور الفلاح أبو العلا الفقير، والذي يعيش حياة معدمة وبدون تذمر، ولكن تتغير حياته رأساً على عقب حين يرغب العمدة عتمان في الزواج من زوجته حتى ينجب، ويجبره على طلاقها، فيرغب في الخلاص منه وقتله، ولكن يرضخ في النهاية لرأي زوجته واستخدام الحيلة في الخلاص منه.


زائر الفجر:

زائر الفجر الفيلم المظلوم الذي ربما لم يسمع عنه الكثير من محبين الأفلام العربية، ولازال ممنوعاً من العرض على التلفزيون المصري حتى اليوم، وتم إزالته من دور السينما بعد اقل من أسبوع ، ولم يتم الموافقة عليه سوى بعد عام 1975 ، وهو من انتاج أوائل عام 1973، وربما هذا  التاريخ يفسر منعه للعرض بوضوح، فالفيلم يتعرض بطريقة جريئة للواقع المصري ما بعد النكسة مباشرة، حيث يتناول حادثة قتل صحفية ثورية، والتي تم تصريح ان الوفاة بسبب هبوط حاد في الدورة الدموية، ولكن اصدقائها والمحقق الشاب يهدفون إلى إفشاء الحقيقة الخفية.
ويقوم شكري سرحان بدور شفيق رئيس التحرير الثوري الذي توقف عن الايمان بتفويض الزعماء للحصول على حرية الوطن، ويجمع خلية ثورية من الشباب يؤمنون بنفس مبادئه.
والفيلم من بطولة ماجدة الخطيب، عزت العلايلي، ويوسف شعبان وتحية كاريوكا، وتم استخدام فيه تقنيات اخراجية لتتبع القصة في الماضي حتى يتعرف المشاهد على أسباب ما يحدث في الحاضر، وقد أصيب مخرجه ممدوح شكري بالاكتئاب بعد منع فيلمه من العرض أدى إلى اهماله لصحته وتم نقله إلى مشفى الحميات، ليتوفي قبل ان يتم الموافقة على عرض الفيلم، وهو في المركز الأربعين من القائمة.


درب المهابيل:

درب المهابيل فيلم من انتاج عام 1955 وإخراج توفيق صالح وقصة نجيب محفوظ ايضاً، وفي المركز الثاني والأربعين، وتدور أحداثه في احد الاحياء الشعبية المصرية، حيث نتعرف على الشاب الفقير طه الذي يقوم بدوره شكري سرحان وحبيبته برلنتي عبد الحميد، والذي يسعى إلى الزواج منها، ويرى ان الحل الأمثل للتسريع من الزيجة هو شراء ورقة يانصيب، فيستدين من حبيبته ليشتري الورقة الموعودة، ويضعها لديها، ولكن والدها المتدين يقوم بإلقائها من النافذة، لتقع في يد مجذوب الحارة، وفي اليوم التالي تفوز هذه الورقة بالجائزة الكبرى، ليكتشف طه الحقيقة المره.
تبدأ الحارة في التقلب على بعضها البعض، وعلى الرغم من فقدان الورقة، فكل شخص ينسب الحق فيها لنفسه، حتى والده الفتاة ندم على القاءها، لتنكشف حقيقة الطمع الكائن في النفس البشرية لدى كل منهم، وينتهي الفيلم بطريقة عبثية بالتهام الماعز أوراق المال.

إحنا التلامذة:

إحنا التلامذة واحد من اقوى الاعمال السينمائية المصرية التي تناولت ازمة الشباب بطريقة مختلفة، فلم تهتم بالجانب العاطفي الرومانسي فقط، ولكن تتبعت حياة ثلاث شبان لكل واحد منهم مشكلة حقيقية سببها الوسط المحيط به، ويسلط الضوء على ثلاث أوضاع حياتية معوجة أدت إلى خروج شاب عن القانون.
يقدم شكري سرحان في هذا الفيلم دور حسنين الشاب الصعيدي الذي ترك بلدته ليتعلم في القاهرة، يعيش حياة مستهترة وينفصل عن قريته بالتدريج، ولكن يأتي إليه عمه في يوم من الأيام ليذكره أن لديه ثأر قديم يجب ان يقوم به جراء قتل والده، وعلى الرغم من ان القاتل سُجن بسبب هذه الجريمة فأن قوانين الثأر تختلف عن قانون الدولة، ويجب ان يقوم بقتله.
يرفض حسنين طالب القانون ان يتحول إلى قاتل، ولكن ذلك يعني ان يتوقف اهله عن سداد مصاريفه، ونبذه وعدم إمكانية عودته لوطنه، ليتحول بالتدريج إلى مفلس، ثم بلطجي، وفي النهاية قاتل، ضحية للمجتمع القبلي الذي فرض عليه شروطه رغم محاولته الفكاك.
الفيلم من إخراج عاطف سالم وبطولة عمر الشريف ويوسف فخر الدين وتحية كاريوكا وإنتاج عام 1959، وهو في المركز الرابع والأربعين.

صراع الابطال: 

وفي المركز التاسع والاربعون فيلم صراع الابطال من انتاج عام 1962 وبطولة سميرة احمد وإخراج توفيق صالح.
وتدور احداث الفيلم في احدى القرى، حيث يقوم شكري سرحان بدور طبيب شاب يتم نقله إليها حديثاً، وعلى العكس من شخصيته في البوسطجي حيث احتقر اهل القرية ونبذوه، كانت العلاقة هنا جيدة، واهتم بكل من الناحية الطبية والاجتماعية والتعليمة لحياة السكان، وبدأ يدور صراع خفي بينه وبين مالك الأراضي المتجبر، والقابلة التي اعتبرته قاطع لرزقها.
ولكن بداية الاحداث الحقيقة بدأت مع تفشي وباء الكوليرا في القرية، وبعد بحث عن السبب، وجده في الطعام الذي يلقيه جنود الاستعمار للأهالي، وحين نصحهم بالتوقف عن تناوله بدأت عداوة مستترة تنشب بينه وبينهم، أصبحت علنية عندما قام باستخراج أحد جثث ضحايا الوباء ليشرحها ويثبت نظريته، لتبدأ الحرب الضارية عليه، والتي لم ينقذه منها سوى الشرطة.

قنديل أم هاشم:

وفي المركز الثالث والستين جاء قنديل أم هاشم، عن رائعة الكاتب يحيي حقي بذات الاسم، والفيلم من اخراج كمال عطية بطولة سميرة احمد وصلاح منصور.
ويقوم شكري سرحان بدور إسماعيل الشاب الذي أنهى دراسته الثانوية ولكن لم يستطع الالتحاق بكلية الطب، فسعى والده إلى ان يسافر لألمانيا ليتم تعليمه، وبالفعل يفلح في ذلك على الرغم من الأعباء المادية التي تكبدها.
استطاع هنا شكري سرحان بسلاسة ان يوضح الفرق في الشخصية والتغييرات التي حدثت لها في مرحلة ما قبل السفر حين كان يؤمن بكرامات السيدة زينب، ويأخذ البركة من شيخ الجامع قبل الامتحان، وبعد رجوعه حيث لم يتعلم في المانيا الطب فقط، بل التفكير المنطقي والعلمي، لذلك عندما وجد ان خطيبته أصبحت عمياء بسبب علاجها بزيت قنديل مسجد السيدة زينب أصابه الغضب الشديد وقام بتحطيم القنديل ما تسبب في هجوم مرتادي الجامع عليه، واتهامه بالزندقة والفجور، ويبدأ في اعتزال العالم والشعور بالغربة وان ما تعلمه ليس له أي أهمية، ويستطيع في النهاية ان يجد حلاً وسطاً ما بين ايمانه وايمان الاخرين، ليستطيع اني يستخدم علمه فيما يفيد اهل حارته.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق