طعم البيوت مع حبايبنا

لما بتدور أغنية "طعم البيوت" في دماغي المقطع الأول اللي بسمعه هو "اللمة تحلى كل يوم ساعة العصاري"، يمكن ده بيلخّص كل ما سيقال بعد كده في المقال، بالنسبة لي طعم البيوت هو في وجود الحبايب والأصحاب، وأخدت وقت كتير على ما وصلت لليقين ده، اتهمت نفسى خلاله إني إنسانة قلبها حجر وبتهون عليها العشرة.

نبدأ الحكاية من أولها، مما يقارب الأربع سنين كنت بدأت بجدية في الترتيب لجوازي وبيتي الجديد، الشقة اللي عشان تتوجد طلعت عينينا بالمعنى الحرفي للكلمة، وبدأت في تأثيثها وديكوراتها وانشغلت بالمهمة حتى النخاع، لكن قبل جوازي بيوم قعدت مع نفسي أفكر، يا ترى بيتي القديم مع أهلي، وحجرتي اللي مرتباها على كيفي هي كمان، ومكتبة الحيطة وكل الحاجات دي مش مهتمة بفراقها ليه؟

هل الفرحة بالبيت الجديد ضيعت كل إحساس بالحنين لبيتي القديم؟ طب نتجوز ونشوف، أكيد بعد الفرحة ما تقل زهوتها هيبان الاشتياق، وأحس بالغربة في المكان المختلف.

حصل عكس ده تمامًا، في بيتي الجديد حسيت بألفة من أول يوم، وصحيت الصبح دخلت مطبخي ادوّر على أدواتي عشان أعمل أول فطار ليّ، وأحط أول بصمة، ولما زرت بيت أهلي بعد كده محستش بأي حاجة غير فرحتي بلقائهم والحكايات الكثيرة اللي هنتبادلها.

عدى أكتر من ثلاث سنين، وبسبب بعض التغييرات في ظروف حياتنا، بدأنا نحضر للانتقال لمكان جديد يبعد عن بيتي بكيلومترات، ومش هزوره غير في الأسبوع مرة، وزي ما كنا بنعد العدّة للانتقال كنت بأهب نفسي للحزن اللي هحسه وأنا بفارق أكتر مكان أخذ مني مجهود في التفكير فيه والاهتمام بيه.

ولكن للمرة الثانية فاجئت نفسي وأنا سايبة بيتي القديم وداخلة الجديد مفيش أي إحساس، مجرد تفكير في الحاجات اللي ورايا، وإزاي أحط بصمتي هنا وأحوّل المكان عشان يبقى شبهي، اللي سهّل عليّ الأمر، إن الأسبوع الأخير في شقتي كنت فيه وحيدة بدون زوجي، والجنة اللي عملتها بإيدي كانت فعليًا صحراء من غيره، وكل حنين جوايا للمكان افتقدته.

وافتكرت هنا موقف حصل قبل كده ونسيته وساعد في تكوين فكرتي اللي ذكرتها في أول المقال، زمان كان بيت جدتي في نفس العمارة اللي ساكنين فيها هو مكان تجمّعنا اليومي بعد ما نخلص مذاكرة وأمهاتنا تخلص مسؤولياتها، في ذكرياتي الصالة مكان قعدتنا مكان منور بنور ساطع، مليان ضحك وخناق ودوشة، وزعيق جدتي عشان نسكت وتعرف تسمع التليفزيون، إحنا هنا بنتكلم عن 11 من الأطفال والمراهقين من كل الأعمار، قاعدين في المكان الواسع على الكراسي والأرض وأحضان أمهاتهم، لكن النور ده فعليًا انطفأ بوفاة "تيتة" وفضلنا كتير مش قادرين ندخل البيت من غير ما تنقبض قلوبنا، ورغم مرور أكتر من 13 سنة على غيابها، إلا إن المكان لسه حزين عليها، وطعم البيت راح وقرر ميرجعش.

طعم البيوت فعلاً مش بمكان أو جو معين، طعم البيوت هو وجود حبايبنا معانا، بيت أهلي مفتقدتوش عشان عارفة إنهم موجودين فيه، وحنيني مش لحيطان ولا أثاث، حنيني لناس وذكريات، ولما بفكر فيه بفتكر قعدات بنات العيلة على السريرين وحكايات آخر الليل، ودموع وضحك، والمراية اللي شفت نفسي فيها بعد ما اتجهّزت لكتب كتابي، ودموع أهلي وفرحتهم بيّ.

وبيتي فقدته قبل ما أسيبه عشان زوجي فارقه، ما هو متعبتش في الشقة عشان أسكنها لوحدي، كان هدفي في البداية إني أكون مع الإنسان اللي بحبه، واللي من غيره المكان ملوش أي طعم.

وبيت جدتي راحت مكانته للأبد بغيابها، ومهما اتجمعنا وحاولنا نعيش في نفس الدور القديم، هنلاقي إننا بنمثل وإن روح المكان غابت، فلو عايزين لبيوتكم طعم زيّنوها بالمحبة والذكريات الحلوة وبس.

للمقال الاصلي: اضغط هنا 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق